إن فقه الموازنة بين الحب والبغض في نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف نفقه ذلك ونطبقه في حياتنا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطبقه.
فقد تأكد فقه الموازنة النبوي بين الحب والبغض في جميع المجالات، والتي منها الميدان الأسري، بقوله صلى الله عليه وسلم في حق الزوجة (لا يفركن مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقاً رضي منها غيره)
وهذا يؤكد ويبين أهمية إعمال العقل والتدبر في فقه الحب والبغض، وأن يعدل الإنسان في ذلك، وأن لا يجعل الكره يتغلب على الحب، فتكون النتيجة إما طلاق وفراق، وإما تعاسة وشقاء في المعايشة الأسرية، بسبب الكره الذي يخيم عليه نتيجة احتجاب مفاتيح الحب التي تضفي السعادة على أفراد الأسرة وعلى رب الأسرة.
وفي ميدان آخر من فقه الحب والبغض، أن تحدث بعض الناس في حديث الإفك، وهو ما يوجب غضب النبي صلى الله عليه وسلم على من خاض فيه. ولكنه صلى الله عليه وسلم لا يجرد الناس عن بشريتهم، مما جعل فقه الموازنة حاضر في حياته صلى الله عليه وسلم، فيطبق الحد الشرعي في ذلك، ويستوعب من خاض فيه دون تجاوز لذلك بالمقاطعة أو التجريح، بل إن الحب هو السائد في حياته صلى الله عليه وسلم.
وفي ميدان آخر يظهر التوازن في تعامله صلى الله عليه وسلم مع قضية من أخطر القضايا، وذلك عندما كتب حاطب بن أبي بلتعة رضي الله تعالى عنه رسالة إلى قريش يُخبرهم بعزم النبي صلى الله عليه وسلم على غزوهم.
فعمل حاطب رضي الله تعالى عنه لم يسقط مآثره العظيمة في شهود معركة بدر، ولم تسقط مغفرة الله تعالى له مسبقاً، كما جاء في جواب النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، عندما قال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال صلى الله عليه وسلم (إنه شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدراً، فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )
ففي هذا ما يعلم البشرية فقه الموازنة عندما يحدث من أحدهم ما يخالف الواجب. فإذا كان الله تبارك وتعالى الملك الحق الجبار يتعامل مع عبيده بهذه الموازنة العظيمة التي هي موجب أسمائه وصفاته من العدل والرحمة، إنه رحيم كريم. أفلا يلزم العبيد أن يتعاملوا فيما بينهم وفق هذه المنهجية ؟
وكذلك في مسلك النبي صلى الله عليه وسلم ما يعلم فقه الموازنة، إذ أن صنيع حاطب رضي الله تعالى عنه من الجس ما يوجب غضب وبغض النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه عليه الصلاة والسلام وازن أمر حاطب بمنهج الإسلام الحكيم العظيم، فخرج حاطب من الموقف بمنزلة من الحب، حتى قال عنه صلى الله عليه وسلم (أما إنه قد صدقكم)
فكيف بمن يبغض أخوانه من المسلمين لاختلاف يسير، فيشن عليهم حرباً وبغضاً لا تتحمله القلوب، أفلا يسع ما عنده من الخير ما عنده من الخطأ. وبالتالي تتسع محبة ما عنده من الخير بغض ما عنده من الخطأ. كما إن بغض ما عنده من الخطأ لا يعني التجافي عن ما عنده من صلاح.
(( وللموضوع بقية في الإضاءة القادمة إن شاء الله تعالى.))