الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين: وبعد
لقد نوع الله القدرات عند عباده، ليتحقق بينهم الانسجام والتناسق، ويفرض التعاون نفسه بينهم. حتى أنه لا يستطيع أحد أن يحقق ويوفر كل مطالبه إلا بتعاون غيره معه، وتعاونه مع غيره. وجعل الله تعالى لهذا التعاون أهداف وأخلاق، قال تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
ولكن في لحظات توفر الإمكانات قد يتوه الإنسان في ضبابها وبين غيومها، ومحلقاً بين القدرة والأمل في الإنجاز والتكوين، أو في مطالبة الغير بالتصحيح والتغيير؛ وإنفاذ ما يراه ويتصوره من المعقول والمطلوب، فتأخذه الغفلة عن خالق الكون والسماء، ومدبر الأسباب، فيجد أن جهده التربوي لم يحقق مراده فيما يريد أن يحققه من طموح. أو أن جهده الكسبي لم يحقق مراده من الإنجاز. أو أن رغبته في الإصلاح الاجتماعي لم يحقق ذلك المراد.
فما يملكه الإنسان وما يطمح إليه من مراد مفتقر في تحقيقه لمن يملك الأمر كله من قبل ومن بعد، ذلك أن حال الإنسان كما قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لقومه ( قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا) سورة الجن (21)
ففي دلالات هذه الآية الكريمة ما يبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم. لا يملك لقومه جلب ضر ولا تحقيق نفع. بل حتى لنفسه صلى الله عليه وسلم. كما قال تعالى ( قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله) يونس 214
وقال تعالى (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرا إلا ما شاء الله. ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء. إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) الأعراف 188
فإذا كان هذا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بمن هم دونه. فإنه لا أحد يملك لنفسه ولا لأحب الناس إليه أن يجلب له خيراً أو يدفع عنه شراً إلا أن يشاء الله تعالى. مما يتطلب من المرء أن يطرق باب من يملك ذلك، وهو الله تبارك وتعالى.
ومن هنا فإن الركون والالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء هو المرتكز الأول ثم الأخذ بالأسباب ثانياً، مع الاستعانة والدعاء طيلة الأخذ بالأسباب، ثم الشكر لله تعالى إن تحقق المراد. والشكر والاستغفار إن لم تتحقق الأهداف ، لأن في عدم تحققها منفعة خفية على العبد، قد علمها عالم الغيب والشهادة، وجهلها المخلوق.
ومن هذا الباب، فإن الاجتهاد في تربية النفس وتربية الأولاد والضرب في الحياة، وفي توجيه الآخرين يعتمد على مسارين:
الأول: الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، وتغليبه في توجيههم وتربيتهم وفي تحقيق تنوعات المطالب والحاجات والأهداف. لأن المرء لا يملك نفعاً يحققه، ولا ضراً يصرفه إلا بمشيئة الله تعالى.
الثاني: الأخذ بالأسباب: مع الاعتقاد أنها لا تنفع ولن تجدي إلا بمشيئة الله تعالى.
فكم من ساعي تعثرت به إمكاناته ولم يتحقق سعيه، وكم من ساع بقليل من الإمكانات وتحقق مراده على أكمل صورة وحال.
فهذان الأمران يحققان للمسلم درجة كبيرة من التوكل على الله تعالى، وطمأنينة في السعي نحو تحقيق الأهداف.
فاللهم ارزقني والمسلمين حقيقة التوكل عليك، وحُسن عبادتك، وجميل الأخذ بالأسباب، وأعنا ووفقنا بتوفيقك. فإننا لا نملك لأنفسنا ولا لغيرنا جلب خير ولا دفع شر إلا بمشيئتك وتوفيقك ورحمتك، وأنت أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين: وبعد