ثم تأتي مرحلة تحليل المحتوى , وهي المرحلة التي تتوقف على مدى القوة التطبيقية للمراحل السابقة . فإذا كنا قد افترضنا سلامتها فإن تحليل المحتوى يتطلب أمرين مهمين :
أولها : التجرد من الهوى ومن معالجة القضية حسب الرغبات والميول الشخصية، فيلوي الحقائق أثناء التحليل، ويرفع المرجوح ، ويسقط الراجح ، ويرفع من درجات الشك ، ويقلل من درجة الظن، ويتغافل عن الحقائق المعرفية , وقد يكون هذا بإبعاد ما لا يتوافق مع الميول الشخصية . وهذه حتما سيحجب عن البحث الحقائق؛ فضلاً عن التفوق الإبداعي .
ثانياً: تحليل المحتوى بخبرة الممارسة السابقة , وهذا لا يتحقق إلا بإعداد عدد من البحوث التي ينال بها الدارس كسباً معرفياً يتحقق به القدرة على مزاولة البحث العلمي , وهي التي يُتوخى أن يقوم بها الباحث أثناء المرحلة الجامعية , وكنت أتمنى لو أن هناك حلقة بحث في الستة الفصول الدراسية الأخيرة من حياة الطالب الجامعية.
ثم تأتي مرحلة الاستنتاج التي هي وليدة المرحلة السابقة وثمرتها، وتعتمد على صدق تحليل المحتوى، في البحث التجريبي أو التنظيري. كما أن قدرة الباحث وسعة أفقه وقوة تأمله واقتناص النتائج من أهم العوامل التي تعطي البحث صفة الإبداع العلمي. وهذا يحتاج أيضا إلى مراس مكثف مع قوة تأمل وتفكير في المحتوى وتحليله .
فإدراك هذه المرحلة بعمق ترتقي بالعمل البحثي إلى التفوق بعد توفيق الله تعالى , والذي يجب على طالب العلم المسلم أن يلتجئ إليه , فلا تفوق ولا توفيق إلا بعونه سبحانه وتعالى , وهذا يتطلب أيضا إخلاص النية لله تعالى قبل كل شيء .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .