ومع أن الابتعاث جائز ومباح في أصله، إلا أنه نظرا لآثاره المدمرة، وسلبياته المُهلِكة، وضع منهح التربية الإسلامية شروطا وضوابط للابتعاث، ومن هذه الضوابط ما يلي:
أولا: أن يكون الابتعاث لضرورة أو لحاجة ماسة، كطلب علم، أو تخصص لا يوجد أو هو نادر في بلاد المسلمين، ولهذا يجب أن يتخصص الطلاب المُبتَعثون بالعلوم البحتة التطبيقية التي تحتاج إليها أمة الإسلام، دون غيره من العلوم والتخصصات، يقول الصبّاغ في معرض حديثه عن نوعين من المعارف تشد من أجلهما الرحلة في طلب العلم: ” أما أولهما فلا بد من أخذه وإتقانه بالرحلة وغيرها، وهذا النوع من المعارف هو ما يتصل بالعلوم البحتة والتطبيقية كالرياضيات والكيمياء والفيزياء والهندسة والطب، وما إلى ذلك.
وأما النوع الثاني من المعارف والعلوم فهو قسمان: أحدهما: قسم يتضمن العلوم الإسلامية وعلوم اللغة العربية وآدابها، فليس هناك فائدة ترجى من أخذه من الغرب.. أليس أمرا مخجلا أن يذهب رجل من المسلمين إلى اليهود والنصارى، فيتعلم منهم أمور دينه، أو يذهب إلى الأعاجم فيتعلم لغته، لذا فإن دراسة هذه العلوم يجب أن تمنع في ديار الكفار، ويجب أن تتم في بلاد المسلمين.
والآخر: قسم يتضمن دراسة الفنون من رقص، ومسرح، وسينما، ونحت، وموسيقى، وما إلى ذلك، فدراسة مثل هذه الأمور محظور في أي مكان في بلادنا أو بلاد أعدائنا، ودراستها هناك أشد حظرا، ويمكن أن يلحق بهذا كل دراسة تنتهي بالدارس إلى الشك والزيغ ” ثانيا: والطالب المُبتَعَث لا بد أن يتحقق فيه: الحصانة القوية: من التقوى، والصلاح، والذكاء، والعلم، فمن عُرف عنه التهاون بأحكام الدين، أو الانحراف في فكره أو خلقه، فلا يجوز بعثه، و ينبغي أن يكون الطالب متزوجاً ليصطحب أهله في سفره.
ثالثا: على الدولة –قبل بعثهم- أن تعني بهم عناية كاملة حتى يكونوا قدوة حسنة ودعاة صالحين.
رابعا: كما أن على الدولة –بعد بعثهم- أن تعني بمتابعتهم، وتهيئة سبل الاستقامة لهم، من بناء المساجد وفتح المدارس العربية الإسلامية، وتكليف الدعاة والعلماء بالسفر إليهم لإرشادهم وتوجيههم، وإذا أمكن جمعهم في مدن محدودة فهو أولى ليسهل توجيههم والإشراف عليهم .
ومن خلا ما سبق يتضح أن التعليم وسيلة من وسائل التفاعل الحضاري وذلك من خلال:
1- أن احتكاك الطلاب مع أفراد المجتمع الذي يتعلمون منه يؤدي إلى تبادل الثقافات بين الأمم عن طريق التعليم والابتعاث، مما يؤثر سلبا أو إيجابا على عادات ومعتقدات وثقافات الشعوب.
2- من خلال التعليم يتم التعرف على تاريخ وحضارات الأمم، وعاداتهم وأديانهم.
3- من خلال التعليم والابتعاث يتم توطيد عرى الصداقة، وزيادة فرص التعاون مع المجتمعات الأخرى.
وإن دور التربية ورجال التعليم في تحقيق التفاعل الحضاري الإيجابي واجتناب السلبي منه يكون في:
1- تبصير الأفراد والمجتمع بأهمية التعليم وخطورته، حيث يكون التعليم مهما لنقل التكنولوجيا، وزيادة المخترعات، وتطوير جميع مناحي الحياة، كما أن له خطورته في نقل أفكار ومعتقدات واتجاهات مناقضة للإسلام.
2- تطوير أهداف وبرامج المراحل الدراسية، واستفادة الجوانب المادية والعلمية التي عند الأمم الأخرى ” وينبغي النظر إلى المحتويات التعليمية ومضامينها كمواد بنائية في المجتمع، ذلك أنها تستمد معناها من النظام الثقافي الشامل للمجتمع.. ويرجع كثير من الظواهر الاجتماعية التي تعكس الاضطراب والتفكك الاجتماعي –ضمن ما يرجع- إلى عدم فعالية المحتويات والمضامين التعليمية، وعدم ملاءمتها للتشكيل التربوي المتكامل للأفراد “3- ضبط الابتعاث إلى الغرب بالضوابط الشرعية، ليكون العائد منه لصالح الأمة.
4- تعزيز التربية الإسلامية الحقة بإدراجها في كل مراحل المنهاج الدراسي، وينبغي عند تدريسها اعتماد الطرق والتقنيات الحديثة التي تضفي عليها نوعا من الجاذبية وتضمن لها الفعالية.
5- إضفاء الطابع الإسلامي على التعليم، وذلك بتدريس كل المواد المقررة من وجهة نظر إسلامية مع التركيز على التاريخ الإسلامي وجغرافية العالم الإسلامي والثقافة والحضارة الإسلاميتين ودورهما في إغناء التراث الإنساني .ويجب أن تتعامل الاستراتيجية التربوية الإسلامية مع العلوم والتكنولوجيا باعتبارها إحدى المكونات الأساسية للحضارة المعاصرة، وتحث المجتمعات الإسلامية على اكتسابها وتطويرها، ولبلوغ هذا الهدف يجب أن تحظى العلوم والتكنولوجيا بمكانة هامة في المناهج التربوية مع الحرص على إضفاء الطابع الإسلامي على تدريس هذه المواد.
6- التمسك بالعربية لغةً للعلم في كل مراحل التعليم، وفي كل فنونه المختلفة، لمواجهة الغزو الثقافي الوافد من الغرب، الذي يهدف التقليل من قدرتها على مواكبة التقدم والتقنية والحضارة في عصر العلم والمدنية. وليعلم رجال التربية والتعليم ” أن الأمم لا تحيا إلا بإحياء لغتها والاعتزاز بها، وجعلها لغة التربية والتعليم، ولغة العلم والتقنية، فاليابان، وكوريا، وسنغافورة، وهونج كونج،لم يمنعهم تعقيد لغاتهم من تحقيق نهضة علمية بلغتهم الذاتية، ولم تكن اليابان من البلاهة، وهي تأخذ من أمريكا وأوروبا أسرار العلم والتقنية، وتترك لهم لغتهم، ثم سبقتهم في مجالات الصناعة والاقتصاد والإدارة، كل ذلك حدث بلغتها هي، لا بلغتهم، وحققت تفوقا ساحقا عليها بات يهدد التفوق الأمريكي في كل المجالات الصناعية، وأثبتوا صحة ما أكده علماء اللغة المنصفين الذين يعتقدون اعتقادا جازما في قدرة كل لغة على التعبير عن أية فكرة متى قامت في نفوس أصحابها ”
اسم الكاتب: عبدالولي محمد يوسف (الصومال)