تتميز العقيدة الإسلامية بأنها من الله تبارك وتعالى،وسار بها تطبيقاً وتعليماً نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وقد تناهت فيها النزاهة والصفاء، حتى إذا تمثل بها العبد أكسبته صورة من صفاتها العظيمة الجليلة، وتباعدت به عن كدر العقول ولوثة السلوك. وفي المقابل تتباعد هذه الصفات الجميلات بقدر بعد العبد عنها فهماً واعتقاداً وتطبيقاً.
فمن وفقه الله تعالى وتشبع بالعقيدة علماً وعملاً، قَدَّرَ الأمور ووزنها بميزان الشريعة الغراء، فانعكس ذلك على تصرفاته بالنزاهة والصفاء، وابتعد عن الغش والخديعة والمداهنات والأطماع. ذلك أنه في منأى غالب الأحوال عن مكدرات الصفاء والنزاهة في الأقوال والأغمال.
وهذا الصفاء والنزاهة في الاعتقاد يبني الشخصية ويربيها تربية رفيعة المستوى والمآل، فيقاوم بها مغريات الصوارف عن الاستقامة والنزاهة في الأفكار والأعمال. لاعتقاده أن الذي يعطي ويمنع هو الله الكبير المتعال. فلا يداهن أو يجامل أحداً من الناس فيما لا تجوز فيه المجاملة والمداراة، رجاء نفع متوقع أو دفع ضر متوهم، لا في مهنته ولا في حياته الاجتماعية المتنوعة..
ولا يحسد أحداً تجاوزه في خير ورفعة، لأن عقله صفا وتشبع معرفة بأن الذي مكنه مما هو فيه الكريم الرزاق، فتنزه سلوكه عن تصرفات الحساد. وإذا سار لما يطلب سار في تؤدة حتى ولو كثر الطلاب، لأن عقله تشبع بقوله صلى الله عليه وسلم (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) فتنزه سلوكه عن مؤثرات الخوف من المزاحمة في المطالب المرجوه. مع الأخذ بالأسباب دون أن يفردها في تحقيق المآرب والطموحات، لأن عقله تشبع بأن الأسباب مطايا لتحقيق المراد، وأن القدر عند الله العظيم الرزاق.
ومن صور ذلك أن العقل تشبع بأن( لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها) فصفا عقله عن مكدرات الأرزاق، فعلم أن رزقه سوف يستوفيه ، فتنزه سلوكه عن ما حرم من التكسب والخديعة في البيع والشراء، أو المداهنة للمدير والرئيس في الأعمال؛ من أجل منفعة متوخاه.
ومن صور ذلك أن صفا عقله بأن المُلك كله لله الكبير المتعال، يأخذه متى شاء وكيف شاء، ويعطيه لمن يشاء وقت ما يشاء، فتنزه سلوكه عن الكبر فيما حصل له من خير وأرزاق.
قال الله تعالى ( وفي السماء رزقكم وما توعدون)وقال تعالى (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير) وقال تعالى (قل اللهم مالك الملك تؤت الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير)
ومن أهم القضايا التي يلزم أن تتناولها تربية النفس والغير في هذا الموضوع هو:
المعرفة بالعقيدة الإسلامية والاعتقاد الجازم بتلك المعرفة مع التطبيق العملي لمقتضاه. فالمعرفة وحدها لا تكفي لتحقيق الصفاء والنزاهة.
اللهم اجعلني وإخواني المسلمين ممن صفت عقولهم وقلوبهم وتقوت بالإيمان، وتشبعت حتى فاضت على السلوك بما يرضيك من الأقوال والأعمل، وحُسن التوكل وجميل الاعتقاد فيك يا كبير يا متعال.