ذكر الآثار الواردة في التهنئة يوم العيد :
اعلم أخي رحمني الله وإياك أنه وردت طائفة طيبة من الآثار جاء فيها ذكر التهنئة بالعيد واستحبابها , ذكر منها البيهقي طائفة لا بأس بها في سننه الكبرى فقال رحمه الله :
) باب ما روي في قول الناس يوم العيد بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك ( :
عن خالد بن معدان قال لقيت واثلة بن الأسقع في يوم عيد فقلت تقبل الله منا ومنك . فقال : نعم , تقبل الله منا ومنك . قال واثلة لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد فقلت تقبل الله منا ومنك . قال : نعم , تقبل الله منا ومنك .
أخبرنا سعد الماليني وبنفس السند إلى واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد فقلت تقبل الله منا ومنك . قال : نعم تقبل الله منا ومنك .
أخبرنا أبو سعد الماليني قال : قال أبو أحمد بن عدي الحافظ هذا منكر لا أعلم يرويه عن بقية غير محمد بن إبراهيم هذا قال الشيخ رحمه الله ( يعني البيهقي) قد رأيته بإسناد آخر عن بقية موقوف غير مرفوع , ولا أراه محفوظا .
أخبرنا عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا عبد السلام البزاز عن أدهم مولى عمر – عمر بن عبد العزيز – قال : كنا نقول لعمر بن عبد العزيز في العيدين تقبل الله منا ومنك يا أمير المؤمنين فيرد علينا ولا ينكر ذلك علينا.
قال ابن التركماني رحمه الله في ذيله على السنن الكبرى المسمى ( الجوهر النقي ) في هذا الباب حديث جيد أغفله البيهقي وهو حديث محمد بن زياد قال كنت مع أبي أمامه الباهلي وغيره من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك. قال أحمد بن حنبل إسناده إسناد جيد .
قال العلامة الشيخ الألباني رحمه الله : بعد أن ساق كلام ابن التركماني في الجوهر النفي لم يذكر ما رواه _ أي ابن التركماني _ وقد عزاه السيوطي لزاهر أيضا بسند حسن عن محمد بن زياد الألهاني قال : رأيت أبا أمامه الباهلي يقول في العيد لأصحابه : تقبل الله منا ومنكم .
قلت : فقد صح الأثر والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات بشهادة ثلاثة من فحول وفرسان علم الحديث . قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : ورينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيميه قدس الله روحه : هل التهنئة في العيد وما يجري على ألسنة الناس : ( عيدك مبارك) وما أشبهه , هل لها أصل في الشريعة أم لا ؟ وإذا كان له أصل في الشريعة فما يقال ؟ أفتونا مأجورين .
الجواب : أما التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد: تقبل الله منا ومنك. وأحاله الله عليك , ونحو ذلك , فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه , ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره .
لكن قال أحمد أنا لا أبتدئ أحدا , فإن ابتدأني أحد أجبته , وذلك لأن جواب التحية واجب , وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأمورا بها , ولا هو أيضا مما نهي عنه , فمن فعلة فله قدوة , ومن تركه فله قدوة , والله أعلم .
قال إبراهيم ابن ضويان الحنبلي رحمه الله في منار السبيل : ولا بأس بقوله لغيره تقبل الله منا ومنك, نص عليه – أي في مذهب أحمد – , قال لا بأس به يرويه أهل الشام عن أبي أمامه , و واثلة بن الأسقع .
وقال الشيخ صالح البليهي رحمه الله : بعد الكلام على صلاة العيدين .
تكملة : لا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضا بما هو مستفيض بينهم من الكلام الذي لا محذور فيه , ثم ذكر حديث واثلة , وأبي أمامه , وقول الإمام أحمد ثم قال : ويدل لما تقدم _ أي التهنئة _ ما ورد أن الملائكة قالت لآدم لما حج : ” بر حجك ” . ولما تاب الله على كعب بن مالك قام إليه طلحة فهنئه وقال لأبي بن كعب : ( ليهنئك العلم يا أبا المنذر ) في قصة مشهورة .
ذكر الآثار الواردة في كراهية التهنئة يوم العيد :
لم يصح في ذلك شيء ولله الحمد والمنة . قال البيهقي في السنن الكبرى : وقد روي حديث مرفوع في كراهية ذلك ولا يصح ذلك . ثم ساق بسنده إلى الصحابي عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الناس في العيدين تقبل الله منا ومنكم . قال ذلك فعل أهل الكتابين وكرهه .
قال البيهقي : عبد الخالق بن زيد _ أحد الرجال الذين رووا هذا الحديث _ منكر الحديث . قاله البخاري . قلت : وفيه نعيم بن حماد , وإن كان إماما في السنة وشديد ا على أهل البدع والأهواء فقد ضعف من أجل روايته للمناكير وتفرده بها .
وعلى هذا يكون هذا الحديث ضعيف لضعف كل من نعيم بن حماد وعبدالخالق بن زيد. ولمخالفته للآثار الأخرى وهي صحيحة في استحباب التهنئة ومشروعيتها في العيد.
الراجح :
وعليه فهذا هو الراجح لثبوته عن السلف ، وخاصة الصحابة منهم في فعل التهنئة، وما ذهب إليه هؤلاء الأئمة الأعلام الذين ذكرت لك أقوالهم آنفا.
فكن فقيه النفس متبع، ولا تكن مقلدا مبتدعا.