ولكي يسهل على القارئ تحديد ومعرفة معاني البشارة أثناء قراءة مباحث هذه الرسالة القادمة, ينبغي ذكر أهم الدلالات والقرائن التي تساعد على تحديد معاني
البشارة واستنباطها من الآيات القرآنية, وهي ما يلي:
لفظ البشارة ومشتقّاتها, كقوله تعالى: (وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار )(البقرة: ٢٥)
لفظ الوعد ومشتقّاته, وما يدلّ على معنى الوعد لإثبات الخير والأجر والثواب ونحو ذلك, أو عدم إضاعة ما يستحقّه الفرد من ذلك, أو لدفع الشرّ والمكروه, أو رفعهما. كقوله تعالى:(وعد الله الذين امنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم )(المائدة: ٩), وكقوله:إ(ن الله لايضيع أجر المحسنين) (التوبة:١٢٠) .
إثبات الهدى والفلاح والصلاح والأجر والثواب والجزاء الحسن ونحوه,أو نفي الضلال والخسران ونحو ذلك, كقوله تعالى:(أولئك عليهم صلاوت من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) (البقرة: ١٥٧) وكقوله: (قد أفلح المؤمنون) (المؤمنون: ١
الخبر بمجيء ما يُحبّه الإنسان لنفسه من أنواع الخير والنفع واللذّة والمتعة العاجلة والآجلة, أو وسائلها. كقوله تعالى:(يأيها الناس قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنون )(يونس: ٥٧)
ثناء الله تعالى ومدحه؛ لأن الثناء من الله تعالى من أعظم البشارة للعبد. وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم مدح الناس لرجل صالح بشرى عاجلة له, كما ورد في الحديث قيل لرسول صلى الله عليه وسلم : ( أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير, ويحمده الناس عليه ؟ قال:( تلك عاجل بشرى المؤمن ). قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) (آل عمران: ١١٠)
نفي صفات الذم والنقص عن بعض عباده الصالحين. قال تعالى:(فذكر فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون ) (الطور: ٢٩) .
استحقاق قربة الله تعالى ورحمته ومغفرته ونصرته وحمايته وعنايته ورضاه ونحو ذلك. كقوله تعالى:(لقد رضى الله على المؤمنون إذ يبايعونك تحت الشجرة) (الفتح: ١٨) .
حصول الأمن والسلامة من الشرّ والمكروه, أو النجاة منهما. قال تعالى:(ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجينه وأهله من الكرب العظيم ) (الأنبياء: ٧٦).
ما يدل على التوقّع والترجّي والطمع من حصول الخير والجزاء الحسن من الله تعالى. قال تعالى: (وأطيعوا الله ورسوله لعلكم ترحمون) (آل عمران: ١٣٢).
تفاضل أحد الفريقين على الآخر, أو مطلق التفاضل بالأجر أو الشرف. مثال الأول: قوله تعالى: (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة) (النساء: ٩٥), ومثال الثاني: قوله تعالى:(كنتم خير أمة أخرجت للناس ) (آل عمران: ١١٠).
الإخبار برحمة الله تعالى وفضله ومغفرته وتوبته وحلمه ونحو ذلك مقابل الشرط, أو بدونه. قال تعالى (إن الله لذو فضل على الناس ) (البقرة: ٢٤٣).
تأييد الله تعالى على أن الفرد على الحق والصراط المستقيم. كقوله تعالى:(فتوكل على الله إنك على الحق المبين ) (النمل: ٧٩).
الإقرار من الله تعالى على أن الفرد قد حقّق ما طلب منه من الالتزام بعمل أوصفة معيّنة. كقوله تعالى:(أولئك هم المؤمنون حقا) (الأنفال: 4).
ثالثا: مفهوم أسلوب البشارة: وعلى ضوء ما تقدم من مفهوم الأسلوب والبشارة لغة واصطلاحا يمكن أن يقال بأن أسلوب البشارة في مجال التربية والتعليم هو: مجموعة من الإجراءات والتدابير أو الخطوات والمسارات التي يتبعها المربي في موقف تربوي محدد بفعالية بناء على خبر صادق سارّ مُتوَجّه إلى المتربي غير العالم به تتغيّر به بَشَرة وجهه فرحا وسرورا.
رابعا: مصطلحات متعلقة بأسلوب البشارة.
وقبل ختام هذا المبحث, يُناسب ذكر مفاهيم بعض المصطلحات المهمّة التي ترد في الدراسة بكثرة, والتي هي وثيقة الصلة بأسلوب البشارة, وذلك اجتنابا من تكرار ذكرها مرارا, ومزيدا من توضيح مفهوم أسلوب البشارة؛ لأن الألفاظ والكلمات المترادفة أو المتقاربة توضح بعضها بعضا وتساعد على زيادة فهمها, وهي ما يلي:
الحاجة. وهي: (( حالة تنشأ لدي الكائن الحي عند انحراف أو حيد الشروط البيولوجية, أو السيكولوجية اللازمة لحفظ بقاء الفرد عن الوضع المتزن والمستقر )). والحاجات تعتبر الأسس الرئيسية للسلوك الإنساني؛ لأنه لا توجد حياة بدون حاجات. (
وتُقسَّم الحاجات إلى قسمين رئيسين, هما:
– حاجات عضوية فسيولوجية. مثل الحاجة إلى الطعام والشراب والراحة.
– حاجات نفسية اجتماعية. مثل الحاجة إلى تقدير الذات, والحبّ والانتماء.
الدافع. (( يشير مصطلح الدوافع إلى مجموعة الظروف الداخلية والخارجية التي تحرك الفرد من أجل إعادة التوازن الذي اختل )). أو هي: (( كل ما يدفع الإنسان إلى القيام بسلوك معين سواء كان نابعا في داخله أو بيئته )).
والدوافع أساسها الحاجات الأساسية عند الإنسان.
وتقسّم الدوافع تبعا للحاجات إلى قسمين رئيسين, هما:
– الدوافع البيولوجية, أو الفسيولوجية, وهي دوافع فطرية ترتبط بحاجات البدن الفسيولوجية, وما يحدث في أنسجة البدن من نقص أو اختلال الاتزان, كدافع الجوع والعطش, والأمومة.
– الدوافع النفسية, وهي تتعلق بحاجات الإنسان النفسية والروحية. كدافع التملّك والاحترام والتفوّق.
الحافز. ويراد به (( اندفاع أو إلحاح للحصول على أمر مستهدف أو تحقيق غاية )). أو هو (( مجموعة العوامل التي تعمل على إثارة القوى الحركية في الإنسان, والتي تؤثر على سلوكه وتصرفاته )).
المثير. يعرف المثير بشكل عام بأنه (( الحادث الذي يستطيع الملاحظ الخارجي تعيينه, مفترضا بأن له تأثيرا في سلوك الفرد موضوع الملاحظة )) مثل: الصوت, والضوء, والكلام.
التشويق. يراد به: (( توجيه السلوك وضبطه داخليا بواسطة الشروط الفيزيولوجية والاهتمامات والمواقف والآمال, ومثله الإثارة والحفز )). (وبمعنى آخر هو: (( حافز يقدَّم قبل السلوك المرغوب فيه عادة, ترغيبا في القيام به, بحيث يثير الاهتمام به في نفس الفرد, ويبعث على مباشرته, وذلك إما بتقديم الحافز فعلا, أو بربطه بالقيام بالسلوك على سبيل الاشتراط مثلا )).
الثواب. يطلق الثواب في اللغة على: جزاء الطاعة والعطاء. وفي الاصطلاح الشرعي: هو ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله.
أما في الاصطلاح التربوي فهو: (( أثر يتبع الأداء أو الاستجابات, ويؤدي إلى الشعور بالرضا أو الارتياح )). أي المراد بالأثر: الأثر الطيب الذي يتبع الاستجابات المرغوب بها والتي يقوم بها الفرد, ويؤدي هذا الأثر الطيب إلى شعور الفرد بالرضا والارتياح, وهما أي الرضا والارتياح يؤديان بدورهما إلى تقوية الاستجابات المرغوب فيها وتعزيزها, مثل: المدح والثناء, والمكافأة, والحالات الوجدانية السارة.
ومصطلح الثواب قديم الاستخدام, حيث ورد ذكره في القرآن والسنة وكتابات السلف الصالح بكثرة, وخاصة في الشريعة الإسلامية. ولا تعارض بين مفهوم الثواب في الشريعة والتربية؛ لأن (( كلمة الثواب تستعمل في القرآن الكريم وفي التربية على حد سواء )).
الترغيب. هو: (( وعد, يصحبه تحبيب وإغراء, بمصلحة أو متعة آجلة مؤكدة, خيرة خالصة, من الشوائب, مقابل القيام بعمل صالح أو الامتناع عن لذة ضارة, أو عمل سيء, ابتغاء مرضاة الله, وذلك رحمة من الله لعباده )).
واستعمال مصطلح (( الترغيب )) وارد في الشريعة الإسلامية بشكل عام, وخاصة في مؤلفات السلف الصالح, إلا أن القرآن الكريم يغلِب أن يستعمل مقابله مصطلح (( التبشير ))
التعزيز.هو:الحادث أو المثير الذي يؤدي إلى زيادة احتمال تكرار حدوث الاستجابة
ووردت كلمة” التعزيز” في القرآن الكريم بمعنى” التقوية والتدعيم” في قوله تعالى: (فكذبوهما فعززنا بثالث) (يس: 14) أي: (( قوَّيْناهم وشددنا أزرهما برسول ثالث ))
والتعزيز بالمعنى التربوي كذالك تقوية وتشجيع للسلوك الإنساني.
والتعزيز له عدة أنواع, ومن أنواعه الأساسية: التعزيز الإيجابي, والتعزيز السلبي, والذي يتعلق هنا بأسلوب البشارة هو التعزيز الإيجابي, لا السلبي, على اعتبار أن التعزيز السلبي عند أكثر العلماء هو العقاب أما التعزيز الإيجابي فهو(( زيادة احتمال ظهور استجابة ما, نتيجة للإثابة على السلوك المرغوب فيه )). أي يكون التعزيز إيجابيا (( في حالة تقديم المثيرات المرغوب فيها, أو تطبيقها على نمط سلوكي ما, كابتسامة المعلم, أو قطع الحلوى التي تتلو هذا النمط السلوكي, تؤدي إلى زيادة احتمال تكرار حدوثه مستقبلا )).