تحديات استخدام شبكة الإنترنت:
والإنترنت تعد من أخطر وسائل التحديات، ولا تخلو من أخطار كثيرة تهدد التربية الإسلامية، ويتضح ذلك من خلال الآتي:
أولا: التبعية الثقافية:
إن من أهم الأخطار الكامنة في استخدام شبكة الإنترنت ما يمكن تسميته بالاكتساح الثقافي الهادف إلى إحلال التبعية لثقافة الغرب محل الأصالة النابعة من عقيدة الأمة ومرجعيتها الثقافية، والناظر فيما تنقله شبكة الإنترنت من أفكار ومعلومات يدرك أن المجتمعات النامية –وجلها من العرب والمسلمين – تعاني من حرب حقيقية يصفها أحد الباحثين بأنها حرب حقيقية تستخدم فيها القنابل الإلكترونية بدلا عن قنابل البارود، إنها تدمير للثقافة وسعي لمنع التواصل بين أبناء الأمة الإسلامية وهيئاتهم، ومنع تواصلهم جميعًا مع قضاياهم المصيرية ولهذا كانت هذه الحروب حروب أدمغة لا أسلحة”.
لقد حملت وسائل الاتصال الحديثة – ومنها شبكة الإنترنت – عولمة ثقافية متناقضة؛ فهي من ناحية تدعو – شكليًا – إلى حقوق الإنسان التي تعني الاعتراف بالتنوع الثقافي، ومن ناحية أخرى تدعو إلى حتمية انتصار القيم الفكرية والسلوكية الغربية لاسيما الأمريكية، وإلى ضرورة تبعية العالم لهذه القيم.
إن شبكة الإنترنت تعد من أهم وسائل العولمة الثقافية البغيضة التي تسعى إلى هيمنة الثقافة الغربية على غيرها من الثقافات.
ثانيًا: العنف والجريمة:
إن شبكة الإنترنت يمكن أن تعرض في صفحاتها المحطات التلفزيونية والفضائية المحلية والعالمية إضافة إلى مواقع مختصة بالأفلام المختلفة، وبذلك تساهم تلك الشبكة في عرض الكثير من مشاهد العنف والجريمة المنظمة مما يكون له أكبر الأثر في تكوين الشباب الثقافي.
إن الذين يتعاملون مع الإنترنت لاسيما فئة الشباب منهم – وهم أكثر فئات المجتمع تعاملا مع الإنترنت – يتأثرون بشكل كبير بما يعرف بجرائم الإنترنت التي أجملها بعض الباحثين في عدد من الجرائم هي: صناعة ونشر الفيروسات، والاختراقات، وتعطيل الأجهزة، وانتحال الشخصية، والمضايقة والملاحقة، والتغرير والاستدراج، والتشهير وتشويه السمعة، وصناعة ونشر الإباحية، والنصب والاحتيال.
ولذلك يقدم الكثير من الشباب على ممارسة بعض هذه الجرائم تأثرًا بما يعايشونه في شبكة الإنترنت، أو يتبادلونه مع رفقائهم من خبرات ومعلومات متعلقة بتلك الجرائم.
ثالثًا: انحسار اللغة العربية:
تكمن أهمية اللغة في المجتمعات البشرية في أنها تعد الوعاء الذي ينقل الثقافة، وأداة التواصل وتبادل المشاعر والأفكار والتجارب والخبرات، وفي حالة اللغة العربية يضاف إلى ما تقدم أنها لغة القرآن الكريم والسنة النبوية، مما يعني أن أي خلل في اللغة العربية سوف يؤثر بالضرورة على فهمنا لمصادر ثقافتنا الأصلية، وسوف ينعكس بالتالي على جميع مظاهر حياتنا العملية
تشير تقديرات الباحثين إلى أن ما نسبته ( 95 % ) من الاتصالات الواقعة في شبكة الإنترنت تتم باللغة الإنجليزية، وهذا يبين مدى تعرض فئة الشباب للغة الإنجليزية وتفاعلهم معها أثناء تعاملهم مع شبكة الإنترنت، ويكون ذلك في الغالب على حساب اللغة العربية التي ينبغي أن تأخذ مكانها اللائق من أذهان الشباب ووجدانهم حتى تصبح لغة التعبير والتفكير والإبداع.
إن الارتباط الوثيق بين اللغة والثقافة والتلازم بينهما قوًة وضعفًا جعل موجة العولمة الثقافية التي تقودها الدول الغربية – ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية – تسعى إلى تلويث ثقافة الأمم الأخرى وإضعاف لغاتها تمهيدًا للقضاء على الإبداع والتطور فيها. وقد صور أحد الباحثين هذه الظاهرة بطريقة دقيقة عندما قرر أن موجة العولمة الثقافية الغربية تسعى إلى “فرض ثقافة العولمة ولغة الآخر في الإدارة، وفي الإعلام، وفي التربية والتعليم، وكذلك في المكاتبات الرسمية، بهدف تقطيع أوصالها وتوقيف تطورها، مما يؤدي إلى توقف مجالات التطور والإبداع من ناحية وضرب بنية الثقافة الأصيلة من ناحية أخرى”.
رابعًا: إهمال مصادر المعلومات الأخرى:
لقد استهوت شبكة الإنترنت الباحثين من شباب وغيرهم، وانبهر كثير منهم بهذه الشبكة السحرية حتى جعلوها المصدر الرئيس للبحث والقراءة والاطلاع والتسلية، ولا شك أن هذا الأمر أثر سلبًا على استخدام جمهور الإنترنت لمصادر المعلومات الأخرى وقّلص من ارتيادهم للمكتبات العامة ومكتبات الجامعات والمؤسسات التعليمية التي تحوى بين جدرانها كثيرًا من مصادر المعرفة كالكتب والمجلات العلمية والوثائق التاريخية والشفوية.
إن هذه الظاهرة خطيرة جدًا؛ ذلك لأن المعلومات التي يحصل عليها الباحثون من الإنترنت كما يصفها أحد الباحثين هي “معلومات سريعة وانتقائية وغير موجهة وغير كافية، قد تساعد الباحث في إشارتها إلى كثير من المعلومات والدلالات، لكنها في تلخيصاتها لا تفي بالغرض المطلوب. وتبقى العودة إلى الكتاب أمرًا أساسيًا لا يمكن الاستغناء عنه”.
وهناك بعض جوانب القصور في الاعتماد على شبكة الإنترنت بوصفها مصدرًا من مصادر المعرفة، ويمكن إيجاز هذه الجوانب في النقاط الآتية:
نقص التنظيم المنطقي في المعلومات الموجودة في الإنترنت نظرًا لكونها محيرة ومبعثرة وغير مرتبة منطقيًا بخلاف المعلومات المكتوبة أو المطبوعة.
تشتت البحث في الإنترنت في موضوعات متفرقة مما يؤدي إلى عدم التركيز على الموضوع المراد، وهذا يؤدي إلى تبديد وقت الباحث.
عثور الباحث على معلومات قد تتعارض مع معتقداته الدينية وثقافته؛ وذلك يمثل خطورة كبيرة على فئة صغار الباحثين.
“عدم وجود جهات قانونية محددة تحكم المعلومات على الشبكة، مما يؤدي إلى تعرض المعلومات والمواقع للاختراق والضياع، وأن تكون فريسة في أيدي جهات خطرة أو عابثة”.
اختلاط المعلومات على صفحات الشبكة، وتشتتها بين معلومات دعائية وثقافية واقتصادية وتعليمية. وبالتالي إمكانية تشتيت تركيز الباحث وضياع هدفه المقصود.
إن الاستفادة مما تقدمه شبكة الإنترنت من معارف وفوائد أمر مهم وضروري لكل باحث معاصر، ولكن الاكتفاء بالإنترنت عن البحث في مصادر المعلومات الأخرى كالمكتبات الجامعية يفقد الباحثين فوائد وميزات لا يجدونها في الإنترنت .