إن اكتسابُ أفرادِ المجتمعِ لِلْحِسِّ النقدي ، وضبطهم لقواعده وأخلاقياته ، وتطبيقها بِرَوِيَّةٍ واتزانٍ يؤدي إلى تقدُّمِ الأمة في المجالات المختلفة ، وتحقيقِ خبراتٍ ثقافيةٍ ومآثرَ حضاريةٍ ، ويصبح لها فعلها الإيجابي ، وذِكْرها الباقي ، فالإنسان في حاجةٍ مستمرةٍ إلى من يأخذ بيده ، ويبصِّرُه بِقِيَم الأشياء ، ويكشفُ له حقائقَها ، ويعينه على إدراك ما ينفعه مما يضره ، وما أصاب فيه مما أخطـأ فيه ، ممن هم أكثرُ منه علماً ، وأوفرُ خبرةً بطبيعةِ الشيءِ المنقود ، لاسيما مع وجود عوامل خطيرة تؤثر على الإنسان ، كالهوى والشيطان ، والشهوات والشبهات ، وقرناء السوء ، والتربية المنحرفة ، والعادات الاجتماعية المخالفة ، والتيارات الفكرية الوافدة وغيرها .
كما أن ممارسةَ النقد التربوي تؤدي إلى تنشيطِ الفكرِ ، وتوسيعِ المدارك ، وإظهارِ معلوماتٍ جديدةٍ ، وتمحيصِ الأفكارِ المطروحة ، ودفعِ التعارضِ والإشكالات التي تحدث عند بعض الباحثين ، ولذا عَدَّه بعض التربويين ” سِرُّ حياةِ العلم وزيادته ” ، وعليه فإن نمو الفِكْر التربوي وإثراءَه لن يتأتى إلا بازدهار حركة النقد ، حتى ولو تحولت إلى حواراتٍ فكريةٍ ، ومساجَلاتٍ علميةٍ ، وتحريراتٍ كتابيةٍ ، فالتلاقُحُ الفكري هو الذي يولِّد أفكاراً جديدةً ، ويوضِّح المعلومةَ من جميع جوانبها ، ويعمل على طرح المشكلات ومعالجة القضايا التربوية بأسلوب رفيع ، كما أنه يساعد في بناء الإنسان بناءً سليماً في شتى ميادين الحياة العلمية والعملية فكرياً وسلوكياً واجتماعياً .
يقول الذهبي رحمه الله : ” وما زال العلماء قديماً وحديثاً يرد بعضهم على بعض في البحث وفي التواليف ، وبمثل ذلك يتفقه العالم ، وتتبرهن المشكلات ، ولكن في زماننا قد يعاقب الفقيه إذا اعتنى بذلك لسوء نيته ، ولطلبه للظهور والتكثر ، فيقوم عليه قضاة وأضداد ، نسأل الله حسن الخاتمة ، وإخلاص العمل ” ، وهذا يبين أهمية النقد التربوي في حس سلفنا الصالح رحمهم الله ، شريطة أن يسلم من المعوقات والمقاصد السيئة