لقد نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرشدنا إلى حقيقة الابتداء في الأعمال، وكيف يكون الإنسان فيها، وما يجب أن يكون عليه بعد الابتداء.
فيعالج ذلك معالجة تربوية غاية في الدقة، من خلال تشخيص الحالة الإنسانية التي يكون عليها الفرد حال الابتداء وما يلزمه بعد حال الاستمرار.
يقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم (إن لكل عَمَلِ شِرَّة ولكل شِرَّة فترة)
فهذا المقطع من الحديث النبوي الشريف يبين أن لكل عمل نشاط وحيوية واندفاع، وأن لكل حيوية ونشاط واندفاع فترة وهدوأ وتراخياً.
ففي أول اهتداء الإنسان وإدراكه لهذا الدين يندفع إلى الاجتهاد في العبادة اجتهاداً شديداً كما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن رجالاً يجتهدون في العبادة اجتهاداً شديداً. فقال صلى الله عليه وسلم( تلك ضراوة الإسلام وشرته، ولكل ضراوة شرة ولكل شرة فترة).
فيبين الحديث أن هذه الحيوية في الاجتهاد يعقبها فترة، وهنا تنقسم هذه الفترة إلى نوعين:
فترة نحو الاقتصاد والتمسك بالسنة وهي الوسطية فأنعم بذلك.
وفترة تراخي وتفلت تؤدي إلى ارتكاب المعاصي، فيجب على الإنسان الحذر من ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم مبيناً ذلك( ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى اقتصاد وسنة فلأم ماهو، ومن كانت فترته إلى المعاصي فذلك الهالك) ـ مسند أحمد 6539 ـ
ويفيد ذلك التشخيص والتوجيه النبوي الكريم أن يعلم الإنسان حقيقة هذا الأمرفي نفسه، فيوجهها التوجيه الصحيح، وأما حال كونه مربي أن يوجه المتربي التوجيه الذي يحفظ عليه الوسطية ويبعده عن ضد ذلك.
ولما أن أعمال الإنسان المسلم دائرة بين عبادات ومعاملات ومسؤوليات عامة وخاصة في المهنة والأسرة، والمجتمع، وغير ذلك، فإن من فوائد التشخيص أن يستفيد المرء من حيويته ونشاطه في ابتداء العمل، وأن يدرك أنه حال كونه مسئولا كمعلماً أو مشرفا أو إدارياً فإن لكل مبتدئ من مرؤوسه حيوية ونشاطاً حين ابتداء العمل، وبالتالي لا يثبطه ، بل يستغل نشوته نحو تحقيق الأهداف، ويوجهه التوجيه الصحيح، ثم يعقب هذا النشاط والحيوية شيء من الفتور، وعليه أن يحذر هنا من النزول عن الاعتدال والتوسط إلى الراحة والدعة، فإنها شر. فقد قال صلى الله عليه وسلم في تمام الحديث بلفظ آخر ( إن لكل عمل شِرَّة ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك) ـ مسند أحمد 6764 ـ .