التقبيل :
أما التقبيل سواء كان على الوجنتين- أي الخذين – أو الفم ، فلا ينبغي ، قال أنس بن مالك: قال رجل: يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه، أو صديقه أينحني له ؟ قال : << لا >> قال : فليتزمه ويقبله؟ قال : << لا >> قال : فيأخذ بيده ويصافحه ؟ قال: << نعم >> حسن ، صحيح الترمذي (ج 2 / 352 ) وابن ماجة (ح 3702 )، والالتزام : هو المعانقة.
اللهم إلا الابن مع الوالدين فللوالدين أن يقبلا ولدهما الصغير والكبير ، ذكرا أو أنثى من أي مكان حتى من الفم . انظر الأدب المفرد للبخاري باب الرجل يقبل ابنته [ح947-971].
وكذلك الولد مع والديه ، فلا بأس أن يقبل والديه ، من وجنتيهما ، أو رأسهما ، أو يديهما ، وكذلك المحارم مع بعضهم البعض ، مع اجتناب التقبيل من الفم، فهذا لا ينبغي إلا للأب مع الولد الصغير دون الكبير ، أو الزوج مع الزوجة والعكس .
وقوله : فليتزمه ويقبله؟ قال : << لا >> لم يوضح فيه محل النهي عن التقبيل فيكون عاما إلا ماخصه الدليل ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي ،وأخوه حسينا ، وابنه إبراهيم ، وروي أنه قبل فاطمة ، وجعفر بن أبي طالب بين عينية ، وزيد بن حارثة .
قال الحافظ بن حجر في الفتح الباري [ج10/ 427]:
قال بن بطال يجوز تقبيل الولد الصغير في كل عضو منه وكذا الكبير عند أكثر العلماء ما لم يكن عورة ، وتقدم في مناقب فاطمة عليها السلام أنه صلى الله عليه و سلم كان يقبلها.
ودخل أبو بكر على عائشة وهي مضطجعة ، قد أصابها حمى ،فقال : كيف أنت يا بنية ؟ وقبل خدها. البخاري [3918] وصحيح سنن أبي داود [4351].
وعنها أن أبواها قال لها : قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : أحمد الله لايكما . متفق عليه ، صحيح الجامع [38],
وقوله :وقال ثابت عن أنس أخذ النبي صلى الله عليه و سلم إبراهيم فقبله وشمه.
وبوب البخاري رحمه الله باب : رحمة الولد وتقبيله ومعانقته : وقال ثابت عن أنس :أخذ النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه .
وأخرج من حديث أبي هريرة أن النبي قبل الحسن بن علي والأقرع بن حابس التميمي جالس ،فقال : الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال :<< من لايرحم لايرحم >>
قال الحافظ [الفتح ج 10/430] وفي جواب النبي صلى الله عليه و سلم للاقرع إشارة إلى أن تقبيل الولد وغيره من الأهل المحارم وغيرهم من الأجانب إنما يكون للشفقة والرحمة لا للذة والشهوة وكذا الضم والشم والمعانقة.
وفي صحيح البخاري كتاب اللباس – باب 66: [80] السخاب للصبيان ، ذكر فيه حديث أَبُي هُرَيْرَةَ ،قال : كُنْتُ مَعَ النَّبِىّ ( صلى الله عليه وسلم ) فِى سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ ، فَانْصَرَفَ وَانْصَرَفْتُ ، فَقَالَ : ( أَيْنَ لُكَعُ ) ؟ ثَلاثًا ، ادْعُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ ، فَقَامَ الْحَسَنُ يَمْشِى وَفِى عُنُقِهِ السِّخَابُ ، فَقَالَ النَّبِىُّ ، عليه السَّلام ، بِيَدِهِ هَكَذَا ، فَقَالَ الْحَسَنُ بِيَدِهِ هَكَذَا ، فَالْتَزَمَهُ ، فَقَالَ : ( اللَّهُمَّ إِنِّى أُحِبُّهُ ، فَأَحِبَّهُ ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ ) . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَى مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِى بَعْدَ مَا قَالَ النَّبِىّ ، عليه السَّلام ، مَا قَالَ .قال ابن بطال : فيه أن النبى – عليه السلام – عانق الحسن وقبله
، وقوله فى هذا الحديث : ( فالتزمه ) يعنى : المعتنقة والتقبيل المذكورين هناك . قد تقدم الاستئذان .
وقال زارع وكان في وفد عبد القيس : فجعلنا نتبادر بين رواحلنا ،فنقبل يد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ورجله. شرح السنة للبغوي [13/292]وهو في صحيح سنن ابي داود وهو حديث حسن دون ذكر الرجل كما في المشكاة[ 4688].
وعن تميم بن سلمة قال : لما قدم عمر رضي الله عنه الشام ، استقبله أبو عبيدة بن الجراح ، فأخذ بيده ، فقبلها ، قال تميم : كانوا يرون أنها سنة. شرح السنة للبغوي [13/292]
وقال حميد بن زنجوية : قد جاء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه نهى عن المعانقة والتقبيل ، وجاء أنه عانق جعفر بن أبي طالب ، وقبله فأما المكروه من المعانقة والتقبيل ، فما كان على وجه الملق والتعظيم ، وفي الحضر ، فأما المأذون فيه ، فعند التوديع ، وعند القدوم من السفر ، وطول العهد بالصاحب ، وشدة الحب في الله. ومن قبل ، فلا يقبل الفم ، ولكن اليد والرأس والجبهة ، وإنما كره ذلك في الحضر فيما يرى ، لأنه يكثر ، ولا يستوجبه كل أحد ، فإن فعله الرجل ببعض الناس دون بعض ، وجد عليه الذين تركهم ، وظنوا أنه قد قصر بحقوقهم وآثر عليهم . شرح السنة للبغوي [13/293]
قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله كما في الأدب المفرد للبخاري تحقيق سمير الزهيري ( ج2 / 539 )في حديث أنس : والحق أن الحديث نص صريح في عدم مشروعية التقبيل عند اللقاء ، ولا يدخل في ذلك تقبيل الأولاد والزوجات. أنظر الصحيحة (ح160 ) ففيها بحث جيد يرد فيه العلامة الشيخ الألباني على صديق الغماري الذي أجاز التقبيل وحشد في ذلك مجموعة أحاديث صحيحة في موضعها وضعيفة ، وضعف حديث النهي ، في رسالة سماها ( إعلام النبيل بجواز التقبيل) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله هذا السؤال: هل يجوز للرجل أن يقبل ابنته إذا كبرت وتجاوزت سن البلوغ سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة ، وسواء كان التقبيل في يدها أو فمها أو نحوه ، وإذا قبلته هي في تلك الأماكن فما الحكم ؟
فأجاب رحمه الله :لا حرج في تقبيل الرجل لابنته الكبيرة والصغيرة بدون شهوة على أن يكون ذلك في خذها إذا كانت كبيرة لما ثنبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قبل ابنته عائشة رضي الله عنها في خدها ، ولأن التقبيل على الفم قد يفضي إلى تحريك الشهوة الجنسية فتركه أولى وأحوط ، وهكذا البنت لها أن تقبل أباها على أنفه أو رأسه من دون شهوة ، أما مع الشهوة فيحرم ذلك على الجميع حسما لمادة الفتنة ؛ وسدا لذرائع الفاحشة ..والله ولي التوفيق .
وأما الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله فمنع تقبيل المحارم من الفم ، وأن ذلك لايكون إلا من الزوجين .كتاب الفتاوى المرأة المسلمة
لمجموعة من العلماء [ج2/ 546/ 547].
للموضوع بقية إن شاء الله تعالى