تتفاوت النفوس في تقبل الخير للآخرين،وهذا التفاوت في درجته ونوعيته ينطلق من قوة التربية الإيمانية التي يتلقاها الفرد، سواء من تربيته الذاتية لنفسه أو من خلال نشأته التربوية التي تولاها غيره. فالبعض ينـزعج من حصول الخير للآخرين فيغمطهم حقوقهم، والبعض يظهر مقابلها بعض المساوئ، ومنهم من يتجاهلها، ومنهم من لا يتحدث بها، ومنهم من يقبلها في صمت، ومنهم من يسعى لنشرها، فما أسباب ذلك التفاوت.
وأما أولئك الذين تربوا التربية النبوية، جيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجدهم يمثلون الصفوة التي أعطت الأنموذج الأمثل لتربية رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، قال: (مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه وأبو بكر، على عبدالله بن مسعود وهو يقرأ، فقام فتسمع قراءته، ثم ركع عبدالله، وسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سَلْ تُعْطَه، سَلْ تُعْطَه) قال: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال: (من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه من ابن أم عبد.) قال: فأدلجت إلى عبد الله بن مسعود لأبشره، بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فلما ضرت الباب ـ أو قال: لما سمع صوتي. ـ قال: ما جاء بك هذه الساعة ؟ قلت: جئت لأبشرك بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: قد سبقك أبو بكر. قلت: إن يفعل فإنه سبَّاق بالخيرات. ما استبقنا خيرا قط إلا سبقنا إليه أبو بكر)
يبين هذا الحديث جوانب وأبوابا تربوية عالية سامية كسمو الرسالة الربانية على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، إذ يبين هذا الحديث العظيم الإشادة والتشجيع الصادق، والبيان لحقيقة الأمر، وهو ما نحتاج إليه في ميدان التربية والتعليم. كما أن فيه استماع المعلم واستمتاعه لقراءة تلميذه، وفيه منقبة جليلة للصحابي الجليل عبدالله بن مسعود، إذ أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصف عظيم، ودعا له بقبول الدعاء. وفيه ما يجب أن يكون المعلم والداعية والمربي والناس أجمعين من حب الخير للآخرين. وفي صنيع ابن مسعود رضي الله عنه ما يبين منهج الصحابة في قيام الليل بالقرآن، حيث أنه في رواية أخرى أن ذلك كان ليلاً. ومن قول عمر رضي الله تعالى عنه في هذه الرواية (فأدلجت ليلا….)
وفي هذا الموقف من الدروس العملية أهمية الاهتمام بالبشارة، والتبشير لمن أصابته نعمة قبل أن تصل إليه. وكذلك التسابق في الخيرات، وشهادة عمر لأبي بكر رضي الله تعالى عنهما بمسابقته في الخير وإثبات ذلك له، مما يؤكد ويبين سلامة صدور الصحابة ونقائها لما تربوا عليه من مدرسة رسول الله الإسلامية العظيمة صلى الله عليه وسلم.
إن مجموع هذه المواقف يؤكد ويبين أهمية الإفادة من سيرة من تعلم في مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهمية هذا المنهج العظيم الذي ارتقى بهم وبسلوكهم وقلوبهم إلى درجات عالية من الصفاء والنقاء. وكم ممن لم يعايش منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في شُغل عن القرآن، وفي حسد لأصحاب الفضل والخير، وفي بُعد عن المسابقة في الخيرات. وتفكير لا يتجاوز المعاش، وحسد وبغضاء، وغمط وتجاهل لأهل الفضل من الناس .