إن المسؤولية الكبيرة المتنوعة الجوانب إذا أديرت من طرف واحد ورُكّز المهام عليه فإنها ولاشك ستؤول إلى الاضمحلال والفشل؛ لماذا ؟ لأن الذي يربط الأعمال بشخص واحد في صغيرها وكبيرها؛ فقد تسير الأمور في حال وجوده وبقائه، ولكن حينما ينصرف عن المسؤولية ويترك المهام الذي كان يشغله لأي سبب كان؛ فإنه سرعان ما يتوقف المشروع وتتعطل المصلحة العامة؛ وإذا ما أراد فريق العمل حل هذه المشكلة؛ فإنه سيأخذ منهم الوقت والجهد والمال، وقد لا يتمكّنون من إشغال هذا الفراغ إلا بصعوبة بالغة ؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى فوات المصلحة وضياع الأهداف.
نعم نحتاج إلى المركزية في كثير من الأمور، ولكن لا يعني هذا أن نُبالغ فيها؛ فلا نوزّع الأعمال، ولا نفوّضها لمن يجيدها.
صحيح أننا قد نواجه صعوبة الحصول أو اختيار البديل المناسب للفارق الكبير في القدرة في الإتقان، والتميز بين المتقن والبديل؛ وهذا الأمر هو الذي يجعلنا ننظر نظرة واقعية ومستقبلية، فلا نترك اتساع الهوة التي يتركها المتميز حتى لا تتعطل بذلك المشاريع.
ومن هنا فإنه يستوجب العناية بإيجاد الكوادر التي تحل هذا الفراغ، وتأهيل العلمي لهم، وهذا ما أرشده الرسول كما في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(( إنما الناس كالإبل المئة، لا تكاد تجد فيها راحلة )) رواه البخاري برقم (6498) ومسلم (2547).ففي هذا الخبر وضّح صلى الله عليه وسلم أن النقص كثير في البشرية، وأن الذين يملكون صفة الكمال البشري نادر جدا؛ كالإبل المائة، إذا أردت أن تبحث عن التي تصلح للحمل والركوب فلم تجدها، وهذا هو الواقع المشاهد، فالأمة كثيرة، ولكنها غثاء كغثاء السيل.
ويمكن أن يُستشف من هذا الحديث إرشاد نبوي إلى أهمية العناية بالكوادر وتأهيلها، وفي ذلك يقول السعدي عند شرحه لهذا الحديث في بهجة الأبرار (ص316): (( فإن مضمون هذا الخبر إرشادٌ منه صلى الله عليه وسلم أنه ينبغي لمجموع الأمة أن يسعوا، ويجتهدوا في تأهيل الرجال الذين يصلحون للقيام بالمهمات، والأمور الكلية العامة النفع ) .وثمة طرق جيدة توصلنا إلى هذا المطلوب :
-ممارسة العمل بطريقة جماعية؛ وهذا الأمر يساعد العاملون بأن يتدربوا على إتقان العمل، ومن ثم استكشاف الموهوبين منهم.
-توزيع المهامات . وهذا الأمر لا يختلف فيه اثنان أنه من دواعي نجاح العمل الجماعي؛ فاليد الواحدة لا تصفق، والعود إذا اجتمع فإنه يصعب كسره.
-دراسة الفروق الفردية والطاقات والقدرات بين الأعضاء، ومحاولة تدريبها والرفع منمستواها ومن ثم توظيفها في المكان المناسب .
-وأخيراً – وهي الخطوة المهمة جداً – تدوين القدرات والأعمال والخبرات، وذلك بغرض استكشاف الموهوبين، ومحاولة تأهيلهم، وتشجيعهم والعناية بهم.