إذا كان للمرء عمر زمني، ينتهي بانتهاء أجله الذي كتبه الله تعالى له، وله مقدار عقلي، يسمونه في اصطلاح علم النفس (بالعمر العقلي) الذي قد يتفوق به الإنسان على عمره الزمني، فتجد عمره الزمني شبابا وعمره العقلي عمر الكهول. وقد يكون العكس من ذلك.
فإذا كان هذا نتيجة حجم التربية ومقدار عناية المؤسسات التربوية بذلك، من المنزل والمدرسة وغيرها، فإن هناك عمر آخر يغفل عنه البعض ألا وهو العمر الإنتاجي، فمن الناس من يكون إنتاجه العملي يفوق عمره الزمني الذي يعيشه، والبعض يتفوق عمره الزمني على عمره الإنتاجي، والمتأمل في منهج الإسلام ومن سار عليه تجد أنهم تفوقوا في الجانب الإنتاجي في جميع جوانب الحياة.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم مكث في دعوته ثلاث وعشرين سنة، وبتوفيق من الله تعالى حصل خلالها من خير الدنيا والآخرة ما يعجز عن وصفه الواصفون، وعن تعداده العادون. فكم من الأعداد التي دخلت في الإسلام، وكم من الأحاديث التي رواها الصحابة عنه صلى الله عليه وسلم. وكم من المسافات قطع صلى الله علي وسلم على قدميه وعلى دابته، إنها آلاف الأميال، وكم من الأموال أعطى، وكم من الليل صلى ؟ وكم من القرآن قرأ ورتل، وكم من التسبيح سبح ؟ في ثلاث وعشرين سنة.
وكم هي خلافة الخلفاء الراشدين ؟ وكم حققوا فيها من الخير والفتوحات ؟
وكم روى أبو هريرة وابن عباس وعبدالله بن عمر وعائشة رضي الله تعالى عنهم أجمعين ؟ رواية كل واحد منهم بالآلاف.
وكم تصدق أبو بكر بنصف ماله في مرة واحدة، وكم تصدق عثمان بن عفان، وجهز جيش العسرة، وكم تصدق عبدالرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهم أجمعين. إنه نشاط عملي يفوق ذلك الزمن العمري، لما تدفق عنهم من الخير.
وكم أنتج أهل العلم الربانيين من مصنفات، وكم درَّسوا من طلاب، وكم أخمدوا من فتن وأفكار، وكم مشوا في طلب العلم واكتسابه.
وكم هو عمل وإنتاج أبناء اليوم من المسلمين ؟
إن قضية استثمار الوقت لرفع الجانب الإنتاجي قضية جديرة بالاهتمام على نسق نهج الإسلام وهديه، في تربية الأبناء، وفي العبادة، وفي الدعوة، وفي مد جسور الخير للآخرين، وفي الوفاء في العمل المنوط بأصحابه.
إن ديننا دين عمل وإنتاج، قال صلى الله عليه وسلم ( إحرص على ما ينفعك واستعن بالله)