العلاقة بين القلب وسائر الأعضاء والجوارح وكذلك الحواس، علاقة متلازمة في التأثر والتأثير، حيث أن صلاح القلب أو فساده، يؤثر إيجاباً أو سلباً على بقية الجوارح بالصلاح أو الفساد، ” ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد القلب كله ألا وهي القلب”، وكذلك الجوارح فإن ما تتلقاه، وتقوم به يؤثر في صلاح القلب أو فساده، ” ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه”.
ويتبين تلك العلاقة بين والقلب الجوارح من خلال الأتي:
أولا: منزله القلب من الجوارح:
القلب يعد بمنزله الملك للجوارح، وهي تبع وخدم له، ومن نظر بعين التأمل والتفكر للنفس البشرية، ونفذ بفكرة (إلى مشاهدة القلب، يجد ملكاً عظيماً جالساً على سرير مملكته، يأمر وينهى، ويولي ويعزل، وقد حف به الأمراء والوزراء والجند، وكلهم في خدمته، إن استقام استقاموا وإن زاغ زاغوا، وإن صح صحوا، وإن فسد فسدوا، فعليه المعول، وهو محل نظر الرب تعالى، وإنما الجوارح أتباع للقلب، يستخدمها استخدام الملوك للعبيد، والراعي للرعية، والذي يسري إلى الجوارح من الطاعات والمعاصي إنما هي آثاره، فإن أظلم أظلمت الجوارح، وإن استنار استنارت).
والأعضاء والقوى هي في حكم الأعوان للقلب، حيث (سخرت له، وأقيمت في خدمته لتجلب له ما يوافقه من الغذاء والمنافع، ويدفع عنه ما يضره ويهلكه) ، (فالأعضاء الظاهرة والباطنة قد خلقت خادمة له، لا تستطيع له خلافا، فإذا أمر العين بالانفتاح انفتحت، وإذا أمر اللسان بالكلام تكلم، وإذا أمر اليد بالبطش بطشت، وإذا أمر الرجل بالسعي سعت، وكذا جميع الأعضاء ذللت له تذليلا)
ثانيا: ارتباط البدن والجوارح والحواس بالقلب:
البدن، هو المحل الذي يقوم فيه القلب، والمركب الذي يصل به إلى الله والدار الآخرة، فافتقر إلى تعهد البدن وحفظه، وإنما يحفظ البدن بأن يجلب له ما يوافقه وينفعه، وأن يدفع عنه ما ينافيه ويضره، فافتقر لأجل جلب ما ينفعه إلى جندين باطن: وهو الشهوة، وظاهر: وهو اليد والأعضاء التي هي كآلات، وافتقر لأجل دفع المهلكات إلى جندين باطن: وهو الغضب الذي به يدفع المهلكات وينتقم من الأعداء، وظاهر: وهو اليد والرجل اللذين بهما يعمل بمقتضى الغضب، فالجوارح من البدن كالأسلحة، ثم المحتاج إلى جلب ما ينفعه، ودفع ما يضره، يفتقر إلى المعرفة والتي تحصل بأمرين: باطن وهو إدراك السمع والبصر والشم واللمس والذوق وظاهر وهو العين والأذن والأنف وغيرها.
فأعوان القلب وجنوده المسخرة في خدمته، على أقسام ثلاثة:
قوى باعثة إما إلى جلب النافع الموافق كالشهوة، وإما إلى دفع الضار المنافي كالغضب وقد يعبر عن هذا الباعث بالإرادة.
الأعضاء التي هي كالآلة، والتي تقوم بجلب المنافع، أو دفع المضار، ويعبر عن هذا بالقدرة، وهي مبثوثة في الأعضاء، لاسيما العضلات، واليدين، والرجلين.
المدرك المتعرف للأشياء، وهي قوة البصر، والسمع، والشم، والذوق، واللمس، وهي مبثوثة في أعضاء ظاهره وهي العين والأذن والأنف واللسان واليد وغيرها.
أهم الجوارح التي لها صله وثيقة بالقلب:
العين التي هي طليعة، والأذن صاحب خبره، واللسان الذي هو ترجمانه .
1- الأذن: قناة تصب إلى القلب ويتأثر القلب بما تسمع ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى بحفظ السمع كما أمر بحفظ البصر قال تعالى (ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم، إنّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كان عنه مسؤولا) (سورة الإسراء: ٣٦)، و هذه الأذن لا تحدد نوع المسموع إلا بأمر من القلب، حيث يأمرها أن تسمع الطيب أو تسمع الرديء ، فإذا صلح القلب صلحت الأذن.
وهنالك (بين الأذن والقلب من الارتباط فالعلم يدخل من الأذن إلى القلب فهي بابه والرسول الموصل إليه العلم، ومن عرف ارتباط الجوارح بالقلب علم أن الأذن أحقها أن توصف بالوعي وأنها إذا وعت وعى القلب )
2-العين: العين مرآة القلب فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب شهوته وإرادته ونقش فيه صور تلك المبصرات فيشغله ذلك الفكر عن ما ينفعه في الدار الآخرة.
(وكما جعل سبحانه العينين مؤديتين للقلب ما يريانه فيوصلانه، إليه كما ترياه جعلهما مرآتين للقلب يظهر فيهما ما هو مودع فيه من الحب والبغض الخير والشر والبلادة والفطنة الزيغ والاستقامة فيستدل بأحوال العين على أحوال القلب فالعين مرآة للقلب وطليعة ورسول)
3-اللسان: اللسان الناطق الذي هو آلة العلوم وترجمان القلب ورسوله المؤدي عنه، يستدل السامع بما يبدو عليه من الكلام على ما في القلب فيبدو عليه صحة القلب وفساده معنى وصورة، والمقصود أن العبد لا يعلم ما في ضمير صاحبه إلا بالألفاظ الدالة على ذلك.