حدثنا المكي بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن سعيد عن أبيه عن ابن عباس
ـ رضي الله عنهما ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) .
والحديث كما ورد في كتاب فتح الباري للإمام الحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني معناه : نعمتان تثنية نعمة : وهي الحالة الحسنة , وهي المنفعة المفعولة على جهة الإحسان للغير , ومن لا يستعملها فيما ينبغي فقد غبن لكونه باعهما ببخس .
فالمرء لا يكون فارغا حتى يكون مكفيا صحيح البدن , فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه , ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه , فمن فرط في ذلك فهو المغبون .
ومعنى ( كثير من الناس ) أن الذي يوفق لذلك من الناس قليل .
وفسر ابن الجوزي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى أن قد يكون الإنسان صحيحا , ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش , وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا , فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون , وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة , وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة , فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله , فهو المغبوط ومن استعملها في معصية الله , فهو المغبون , لأن الفراغ يعقبه الشغل , والصحة يعقبها السقم , ولو لم يكن إلا الهرم .
من هذا يتبين ضرورة تنظيم وقت الفراغ , مثلما ننظم وقت العمل، فإذا استعمل الإنسان فراغه وصحته في طاعة الله , وفيما يعود عليه بالنفع لنفسه ولغيره . فقد أرضى الله وهو المغبوط , ومن استعمل صحته وفراغه في المعاصي وإتباع الشهوات وغواية الشيطان , فهو المغبون , والذي تضطرب به سبل الحياة .