يقدم المنهج النبوي التربوي النماذج المتألقة في فن التعامل مع الطفولة في الطريق وبين الأصحاب، ليجسد للأمة ويعلمها منهجية التعامل، وكسر العادات التي لا تتوافق مع رحمة الإسلام للطفل وإدخال السرور عليه أينما كان موجودا.
وفي الموقف النبوي التالي بيان وتوضيح وتربية للأمة كيف تربي في أبنائها وأبناء المسلمين روح الشجاعة والقوة النفسية وإشباع حاجات الطفولة من المحبة والمداعبة.
فعن يعلى بن مرة، أنه قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ودُعينا إلى طعام، فإذا حسين يلعب في الطريق، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم، ثم بسط يده، فجعل الغلام يفر هاهنا وهاهنا، ويُضاحكه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى في رأسه، ثم اعتنقه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، الحسين سبط من الأسباط).
وفي هذا الحديث، توجيه الأمة إلى كيفية الرعاية التربوية للصبيان، إذ أنه صلى الله عليه وسلم قام بذلك العمل أمام أصحابه، ولم يمنعه تواجد أصحابه معه وفي الطريق من مداعبة الحسين، وملاعبته، لِيُعَلِّمَ الأمة حال الرجل مع صبيانه أين ما يكون وكيف يكون. كما أنه يُفهم من هذا أن حاله صلى الله عليه وسلم معهم في المنـزل أكثر من ذلك، إذ عادة ما يظهر على المرء مع أبنائه في المنـزل أكثر مما يظهر عليه معهم في الطريق وأمام الناس.
وفي هذا الحديث أنه لا بأس من ملاعبة الصبية في الطريق، وأمام الناس. كما أن في هذا الحديث ما يبين فرح الحسين بمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق، فأخذ يفر ها هنا وها هنا مداعباً ومُتلاعباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يبادله صلى الله عليه وسلم نفس الروح الطيبة الزكية من الحب، فيضيف صلى الله عليه وسلم إلى تلك المداعبة المضاحكة ليزداد الصبي قبولاً وإقبالاً وفرحاً وسروراً به صلى الله عليه وسلم
ثم يبين هذا الحديث منـزلة الحسين رضي الله تعالى عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يجب أن يكون للحسين من الحب من المسلمين.
ومن حبه صلى الله عليه وسلم للأطفال، وعنايته بما يُحبون، وما عُرف عنه صلى الله عليه وسلم من ذلك، أنه كان يُؤتى بالصبيان ليدعوا لهم؛ فعن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يُؤتى بالصبيان فيدعوا لهم).
فلما أنه صلى الله عليه وسلم قد عُرِف بحبه ولطفه وعنايته بالصبيان، فإنه يؤتى بهم من أهليهم ليدعوا لهم صلى الله عليه وسلم بالبركة، ويمسح عليهم، وقد بوب الإمام البخاري رحمة الله تعالى عليه : باب الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رؤوسِهِم وعن السائب بن يزيد، أنه قال (ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ! إن ابن أُختي وجع. فمسح رأسي ودعا لي بالبركة. ).
فهذه الشواهد تُدلل على عنايته صلى الله عليه وسلم بأمر الطفولة، وأنه عُرف عنه ذلك في الوسط الاجتماعي من صحابته صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم أجمعين، مما يؤكد أهمية العناية بشؤون الأطفال: بصحتهم والدعاء لهم بالبركة، ومراعاة أحوالهم النفسية، وما انطوت عليه من حب اللعب والمداعبة والمضاحكة، الأمر الذي ينعكس على سلوكياتهم واستقرارهم النفسي، وتوازنهم العاطفي الذي تتأثر به طباعهم المكتسبة، بل وحتى الفطرية.