الرعاية هي نابعة من الاهتمام بالجماعة المسلمة، ومسؤولية الرعاية في الإسلام موزعة في الجماعة كلّها بلا استثناء، كلّ من في الجماعة راع، وكلّ من فيها مسؤول عن رعيته، لكل عضو في الجماعة نصيبه من مسؤولية الرعاية، في كلّ عمل يعمله وفي كل منشط من مناشط الحياة يؤدّي دوراً أو يحمل فيه تبعة.
والأصل في الرعاية الاجتماعية ما رواه البخاري بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأميرُ الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته. وعبد الرجل راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه. ألا كلكم راع وكُلُّكم مسؤول عن رعيته)).
وعنه – أيضا – ، أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلُّكُم راعٍ وكُلُّكم مسؤول عن رعيَّته، الإمام رَاعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيّته، والرَّجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، والخادمُ في مال سيِّده)) سمعتُ هؤلاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأحسبُ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والرجل في مال أبيه)).
قال ابن بطال: “الراعي: هو الحافظ المؤتمن، الملتزم صلاح ما قام عليه، وما هو تحت نظره، فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته، فإن وفى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر، وإن كان غير ذلك طالبه كل أحد من رعيته بحقه”.
وهذا الحديث النبوي جاء ليبين المنهج التربوي للمسؤولية عن كلّ فرد مهما كان دوره بسيطا، ومهما كان حجم هذه المسؤولية، فوضح الحديث أنّ كلّ إنسان راع فيما استُرْعِى عليه، ومسؤول عما تحت يده من شؤون رعيته، وبذلك نصل إلى أصل من أصول التربية الإسلامية يتمثل في أنّ حياة المسلم قائمة على الشعور بالمسؤولية، ومن ثم أداء الحقوق والقيام بالواجبات، والحديث مليء بدروس تربوية في ما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية، ومن هذه الدروس التربوية النبوية في هذا الحديث:
أنه ليس هناك إنسان مسلم بالغ عاقل راشد إلا وهو مسؤول عن أمر من الأمور يديره ويتولاه، ولا بدّ له من رعية يرعاها ويُسأل عنها في الدنيا والآخرة.
أنّ كلّ مسلم راع ومسؤول مهما صغر شأنه أو قلّت مسؤوليته، فإنّ من لم تكن له رعية يرعاها ويهتم بها؛ كان راعيا على نفسه وأعضائه وجوارحه وقواه وحواسه وكل ما وهبه الله، فلا يظُنَنَّ أحد من الناس أنه خال من المسؤولية أو خارج عن نطاقها.
أن الإمام مسؤول اجتماعيا عن كل من تحت إمرته، ولذلك فعليه مسؤولية الاهتمام بهم ورعاية مصالحهم، والدفاع عن حقوقهم، والحفاظ على أمنهم بما شرعه الله من ضوابط لحماية المجتمع، كتطبيق الشريعة، وإقامة الحدود واتخاذ التدابير اللازمة لتوفير الأمن والأمان في المجتمع المسلم.
أنّ الرجل وهو ربّ الأسرة وراعيها مسؤول عن أفراد أسرته ومن تحت ولايته، فعليه أن يحسن رعايتهم، وأن يهتم بشؤونهم وتربيتهم التربية الصالحة، ويلزمه الإنفاق عليهم والحرص على تعليمهم وتأديبهم وتوفير ما يحتاجون إليه من مسكن ومطعم ومشرب وملبس، وأن يعدل بينهم في المعاملة وأن يتقي الله في كلّ شأنهم فيكون عينا ساهرة تحرسهم من أيّ شيء قد يؤثر على دينهم أو دنياهم أو يفسد أخلاقهم.
أن للمرأة مسؤولية اجتماعية عظيمة تتمثل في رعاية الأسرة والحفاظ على بنائها وكيانها فهي مؤتمنة على تربية النشء وتوجيههم، والمحافظة على المال والممتلكات والعرض، وأن تؤدّي الحقوق الزوجية، وأن تكون عوناً له على أمر دينه ودنياه، وأن تحسن تدبير شؤون منزلها، ولذلك فإنّ مسؤوليتها عظيمة ومهمّتها جليلة فكان الواجب أن تتربّى على احترام هذه المسؤولية، وأن تعدّ لها إعداداً جيّداً.
أن الولد مسؤول عن أموال أبيه وأملاكه، ولذلك وجب عليه حفظها وتنميتها واستثمارها فيما أحلّ الله، وعدم صرف المال إلا فيما أمر الله به، وهذا درس نبوي يربّي الولد على حسن رعاية مال والده وعدم العبث به.
أن مسؤولية الرعاية قد تكون مسؤولية رعاية سياسية، ويمثلها الأمير الذي على النّاس، أومسؤولية رعاية اجتماعية، ويمثلها الرجل الذي يرعى أهل بيته، كما تمثّلها المرأة التي ترعى بيت زوجها وولده، كما قد تكون مسؤولية رعاية اقتصادية، ويمثلها العبد الذي يرعى مال سيده أو المال الذي يرعى مال والده.أن السنّة النبوية وهي تنشئ الفرد على الأخلاق القويمة، وتغرس في نفسه الفضائل والصفات الحميدة، وتقوي فيه الوازع الديني، تحمّله المسؤولية تجاه ربّه تعالى، ونفسه وأهله وأقاربه، وجيرانه والنّاس أجمعين، وكلّ ما يشاركه الحياة في هذه الأرض من حيوان ونبات وجماد؛ لأن الله تعالى جعل الإنسان خليفةً في الأرض، وحمله “أمانة” لم يحملها غيره.
أن ما ورد في الحديث من أمثلة لا يراد بها الحصر بطبيعة الحال، وإنّما هي إشارة إلى شمول مسؤولية الرعاية أنشطة المجتمع ومستوياته وأفراده، فإذا كانت مسؤولية الرعاية موزعة على كل عضو من الجماعة بحيث يكونُ كُلُّ مَنْ فيه راعياً ومسؤولاً عن رعيته، فإنّها شاملة لكل جوانب المجتمع بلا استثناء.