المطلع على كتب العقائد يلتمس الأقوال الكثيرة التي قيلت في تعداد العلماء لأسماء الله الحسنى فمنهم من قال: إنها مائة إلا واحدة كما ورد في الحديث، ومنهم من قال بل هي أكثر، وجنح يعددها فأوصلها إلى ألف اسم لله تعالى، ومنهم من قال بل هي لا حصر لها ولا يعلم عددها إلا الله الواحد الأحد، وإنما ورد الحديث بذكر الثواب فيمن جمع منها تسعة وتسعين اسماً وتدبرها وعمل بمقتضاها أن يدخله الجنة، من غير حصر لها في عدد بعينه، لأن الحصر ليس مراداً في الحديث، كقولك لي ثوبان أعددتهما للجمعة، فلا يلزم من هذا أنك ليس لديك ثياب أخرى، ونظيرها أن تقول لي مائة جنيه أعددتها للصدقة، فلا يلزم عدم وجود جنيهات أخري لديك معدة لأغراض أخرى غير الصدقة، والصحيح الذي عليهالمحققون أن الأسماء الحسنى ليست محصورة في عدد معين.
النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يعين ليلة القدر، في العشر الأواخر من رمضان، ولم يعين الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب، كل هذا تربية للناس على قيم تربوية أهما:
1/ التربية على الاجتهاد: جعل المصطفى أمر الأسماء الحسنى مفتوحاً ولم يخصصه رغبة في التشجيع على الاجتهاد في الخير عموماً وفي معرفة الله بأسمائه خاصة.
2/ التربية على التفكير العلمي: النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم هو المربي الأول الذي شهد له الأعداء بذلك قبل الأتباع، لا يبلد العقول بالتخصيص الذي لا يزيد المسلم إلا كسلاً وخمولاً ويعلمه الجاهزية والرتابة الخاملة، بل يعد النبي أتباعه ليكون من عقولهم عبقرية ليست لها نظير في التفكير العلمي الإبداعي.
3/ التربية على اتساع الأفق: إن النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم لا يحجر واسعاً، بل يربي أصحابه على الإدراك السليم للأمور، ولهذا لن تجد في سنته أنه عين شيئا أطلقه الله، أو وسّع أمراً قيده الله، بل تجد التوافق والتناسق بين كتابه سبحانه وسنته صلّى الله عليه وسلّم، مما يدلل على أن التربية الإسلامية هي تربية ربانية في المقام الأول.