سُبُل تحقيق الرعاية الاجتماعية:
ويمكن تحقيق الرعاية الاجتماعية للمراهق من قبل الوالدين أو المربين من خلال الأمور التالية :
أولا: تربية المراهق على الأخلاق الفاضلة ، حيث تعد التربية الأخلاقية أهم وسائل التربية الاجتماعية ، ذلك أنه إذا أزالت التربية الأخلاقية (( جميع الشرور والرذائل من النفوس ، وغرست بعد ذلك الروح الإنسانية الخـيرة يؤدي الأمر عندئذ إلى انتشار الأمن والثقة والمحبة والمودة واحترام الحقوق والمشاعر الأدبية والإنسانية لكل فرد في الحياة الاجتماعية ، ثم تسود روح الأخوة وروح التعاون في سبيل الخير والمصلحة العامة ، ومن ثم يؤدي الأمر إلى تعميم الخير وزوال الشرور وهذا شرط أساسي لتحقيق السعادة الاجتماعية.
ولقد حث الإسلام على الأخلاق وجعل لها المنزلة الرفيعة والمكانة العظيمة حيث (( ورد في القرآن الكريم ألف وخمسمائة وأربع آيات تتصل بالأخلاق ، سواء في جانبها النظري أو في جانبها العملي ، وهذا المقدار يمثل ما يقرب من ربع عدد آيات القرآن الكريم)).
ومن النصوص الدالة على مكانة الأخلاق في الإسلام قوله صلى الله عليه وسلم : (( خياركم أحاسنكم أخلاقا )) وقوله صلى الله عليه وسلم : (( ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن…)).
وتربية المراهق على الأخلاق الفاضلة عن طريق تعريفه بالأخلاق الحسنة والتي منها الصدق والأمانة والصبر والرحمة واحترام حقوق الآخرين كالوالدين والجيران والمعلمين ، وترغيبه فيها بذكر ثمارها ، والعمل على إقناعه عقلياً بممارستها في حياته الاجتماعية.
كما أنه يجب تحذيره من الأخلاق السيئة كالكذب والغش وعدم احترام حقوق الآخرين ومشاعرهم.
ثانيا: توعية المراهق بالمبادئ التي أكدها الإسلام لتدعيم تماسك المجتمع ، ومنها
مبدأ المصلحة العامة ، ومبدأ العدالة ، والمساواة ، والتكافل ، والتآخي ، والتراحم والتواد والتناصح والتعاون.
ثالثا: توعية المراهق بالروابط الاجتماعية:
ينبغي توعية المراهق بالروابط الاجتماعية والتي تؤدي إلى تماسك وتلاحم أفراد المجتمع بعضهم ببعض ومنها:
أ) رابطة الدين ، وهي أهم الروابط الاجتماعية ، فالدين الإسلامي يربط سائر المجتمعات الإسلامية بعضها ببعض، بل يربط جميع المسلمين بعضهم ببعض (( فهو عقيدة وترابط وأخلاق.
ب) رابطة اللغة.
ج) رابطة العادات والتقاليد.
د ) الروابط التاريخية.
هـ) الروابط الجغرافية
و) الروابط الاقتصادية.
مع أهمية توعية المراهق بأن هذه الروابط إن لم يكن أساسها رابطة الدين فإنها لا قيمة لها.
رابعا: العمل على توعية المراهق بمسئولياته الاجتماعية ، وإتاحة الفرصة لممارستها ، وذلك من خلال مناقشته في آرائه التي يطرحها وأخذ الصائب منها ، وترك الحرية له في اختيار أصدقائه وشراء ملابسه واحتياجاته بنفسه مع مساعدته في ذلك، وتكليفه ببعض المهمات الأسرية التي يمكن أن يقوم بها ، وأخذ رأيه في بعض الأمور العائلية ، وهذا التعامل مع المراهق يشعره بالثقة في نفسه ، وأنه قادر على الاعتماد على نفسه ، وأن له قيمة اجتماعية مما يؤدي به إلى التفاعل الاجتماعي في جميع المجالات.
ويجب تنمية شعور المراهق بالمسؤولية نحو الله عزَّ وجلّ ، ونحو النفس والمجتمع.
خامسا: توعية المراهق تجاه تكوين الصداقات ( جماعة الرفاق) :
تبرز في هذه المرحلة ظاهرة تكوين الصداقات أو الانتماء إلى جماعة الرفاق . وللرفاق تأثير كبير على المراهق إلا أن تأثير الوالدين لا يقل عن تأثير الرفاق ، لأن تأثير الوالدين أسبق من تأثير الأصدقاء ، ولأن (( غلبة تأثير الوالدين أو تأثير الأقران يتوقف على نوع الموضوع وطبيعة الفرد المراهق ذاته . فالمراهق الذي لا يجد من أسرته إلا التجاهل قد يزداد تأثره بجماعة الأقران عن تأثره بالوالدين ، على حين أن المراهق الذي يهتم به الوالدان ويعملان على تفهمه ويحرصان على مساعدته ، تجده أقرب إلى التأثر بقيم الوالدين.
من هنا يجب على الوالدين والمربين الاهتمام بتكوين الصداقات عند الأبناء خصوصاً في مرحلة المراهقة ، ويتمثل ذلك في النواحي التالية :
الأولى : توعية المراهقين بصفات الصديق الصالح وتحذيره من صفات صديق السوء ؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : (( مثل الجليس الصالح والسوء ، كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك : إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير : إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد ريحا خبيثة))
ففي الحديث إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصاحبة الصالحين والابتعاد عن أصدقاء السوء وذلك بأسلوب ضرب المثل.
ومن الصفات المحمودة التي ينبغي توعية المراهقين بها أن يكون الصاحب (( صالحاً تقياً ، ورعاً كثير الخير، قليل الشر ، حسن المداراة قليل المماراة ، إن نسي ذكّره ، وإن ذكّر أعانه ، وإن احتاج واساه ، وإن ضجر صبره)).
ومن الصفات المذمومة في الصديق أن يكون ضعيف الإيمان، ولا يعين على الخير، ولا يستر العيب ، ولا يعفو عن الخطأ ، ولا يواسي عند المصيبة.
والثانية : مساعدة المراهق على تكوين رفقة صالحة ، وذلك من خلال إتاحة الفرصة له للاحتكاك مع مجموعة من المراهقين المتقاربين في الأعمار والخلفيات الاجتماعية عن طريق القيام بنشاطات جماعية كحفلة عشاء ، أو رحلات برية ، أو سفر ونحوها ، وهذا في حالة تعاون مجموعة من الوالدين للقيام بالإشراف والمتابعة بشكل مباشر على تكوين هذه المجموعة.
وهناك أسلوب آخر يمكن القيام به لمساعدة المراهق على تكوين الرفقة الصالحة وهو إلحاق الابن ببعض المجموعات التي تكون تحت إشراف أهل الصلاح كإلحاقه بجماعة التوعية الإسلامية في المدرسة أو حلقة تحفيظ القرآن ونحوها . مع ملاحظة أنه لابد أن يكون لهذه المجموعات نشاطات اجتماعية خارج النطاق التعليمي لإشغال أوقات فراغهم بما هو صالح لهم.
وهذا لا يعفي الوالدين من المتابعة والتوجيه والتشجيع للمراهق على مصاحبة الصالحين . ومن ذلك دعوة أصدقاء أبنائهما إلى المنزل وإكرامهم.
الثالثة : إذا كوّن المراهق له أصدقاء غير صالحين فإنه ينظر إلى العمر الزمني لارتباطه معهم ، فإن كان لم يمض على ارتباطه وقتاً طويلاً فإن عزل الابن عن أصدقائه بأسلوب حسن قد يكون حلاً مناسباً ، يقول ابن جماعة : (( فإن شرع أو تعرض لصحبة من يضيع عمره معه ولا يفيده ولا يستفيد منه ولا يعينه على ما هو بصدده فليتلطف في قطع عشرته في أول الأمر قبل تمكنها ؛ فإن الأمور إذا تمكنت عسرت إزالتها ومن الجاري على ألسنة الفقهاء ( الدفع أسهل من الرفع )، وأيضا ينبغي مع ذلك إيجاد بديل مناسب من الأصدقاء.
وأما إن كان مضى وقتاً طويلاً على ارتباطه معهم فإن الوالدين أو المربي قد يجد صعوبة في عزله عن الأصدقاء ؛ لذلك قد يكون من المناسب محاولة إصلاحه وأصدقائه من خلال التأثير عليهم ، وذلك بعمل برامج لجميع المجموعة أو لجماعة الرفاق.