فَمِمَّا قاله عليه الصلاة والسلام ( من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله له به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض؛ والحيتان في جوف الماء؛ وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ورَّثُوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر).
وفي هذا الحديث العظيم الذي يبين مكانة العلماء ما يحفِّز الهمم لِتُدْرِكَ نصيبها من العلم، الذي جعل الله تعالى لأهله الرفعة والعزة، وأنه أحد الدروب الموصلة للجنة التي هي بُغْيَة كل مسلم، وأن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، ثم شبه العالم بالبدر؛ والعُبَّادُ بالكواكب؛ فكلهم على خير وفي العلياء، إلا أن العالم بالنسبة للعابد كالقمر في نوره وإضاءته ونفعه الذي يتعدى محيط دائرته ليصل إلى الناس جميعاً، وليس العمل المتعدي بفضله ورحابة مساحة نفعه كالعمل القاصر على صاحبه، فحاز العالم سبق الفضل على العابد، وإنه ليستغفر كُلُ شيء للعالم، وهذا فضل من الله تعالى إذ سخر مخلوقاته تستغفر وتدعوا له. وإن للعلماء منـزلة أخرى؛ وهي أنهم ورثة الأنبياء؛ بما حازوا من العلم الذي جاء به رُسُلُ الله؛ الذين لم يكن همهم الدينار والدرهم، فيجمعونها ليرثها مَنْ بعدهم، فتلك ليست همتهم ولا تطلعهم، بل العلم الذي جاؤا به هو الميراث الذي لا يتسابق فيه وعليه إلا العلماء. فمن حصّله فقد حصَّل الخير العظيم.
ومن هذا المنطلق الإسلامي العظيم ارتقتْ وعَلَتْ هممُ الصحابة في تلقي العلم الذي جاء به رسول الله r مع المنهجية التي اتخذها r في تعليم جيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم. ولقد أصبحت المدينة النبوية تتلألأ بأجواء العلم وطلبته، وأصبحت الملائكة تحف تلك الحلق العلمية، وتتـنـزل عليهم الرحمات الربانية، ويرتفع ذكرهم في الملإ الأعلى، كما جاء في الحديث.