تحرص التربية الإسلامية على أن يكون المسلمين جميعا إخوة فيما بينهم, متآلفين, متراحمين, يرحم كبيرهم صغيرهم, ويُوقر صغيرهم كبيرهم, ويعطف غَنِيهم على فقيرهم, ويتفقد كل منهم الآخر في كل أحواله, فحيث توجد هذه المعاني التربوية الإنسانية في النفوس, تكون رابطة الأخوة الإسلامية قوية, ويوجد المجتمع الصالح الذي يعيش أفراده في جو المحبة والأخوة والتآلف, انطلاقا من معرفة كل مسلم بحقوق إخوانه المسلمين تجاهه.
ولتحقيق هذا الهدف, فقد وجه الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه التوجيه التربوي النبوي بأن للمسلم على أخيه المسلم حقوقا وواجبات لها الأثر الكبير في بناء المجتمع الإسلامي المتآلف المتماسك.
وتتمثل الحقوق العامة للمسلم تجاه أخيه المسلم في قوله صلى الله عليه وسلم : (حق المسلم على المسلم ست, إذا لقيته فسلم عليه, وإذا دعاك فأجبه, وإذا استنصحك فانصحه, وإذا عطس فحمد الله فشمته, وإذا مرض فعده, وإذا مات فاتبعه)
ولا شك أن في القيام بهذه الحقوق ما يزيد ويحفظ جوانب التآلف الاجتماعي ويعزز التواصل بين عامة المسلمين. ومن تلك الحقوق ما يلي:
أولا :التحية (السلام)
لقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم المسلم على أن يبدأ أخاه المسلم بالسلام عليه لما في هذه التحية من آثار تربوية طيبة تُدخل السرور والبهجة على النفوس, وتبعث الطمأنينة في القلوب, وتزيل الكراهية والبغضاء؛ إضافة إلى ما يحمله السلام من الدعاء بالسلامة والرحمة والبركة، قال صلى الله عليه وسلم : (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا, ولا تؤمنوا حتى تحابوا, أولا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).
في هذا الحديث النبوي ما يربي في نفس المسلم روح التنافس والمسابقة إلى الخير بإلقاء السلام على أخيه المسلم، لما في ذلك من الأفضلية, ولما له من دور كبير في توثيق الروابط الاجتماعية بين المسلمين, وتأكيد الصِلات بينهم, وتمكين المودة في قلوبهم, وزرع المحبة في نفوسهم وقطع الهجران فيما بينهم, ولذلك جاءت التربية الإسلامية داعية إلى هذا السلوك ومرغبة فيه وفي تكراره كلما لقي المسلم أخاه المسلم
ثانيا: تشييع جنازة المسلم.
إن في تشجيع المسلم جنازة أخيه المسلم درس تربوي يدعو إلى خلق فاضل وسلوك نبيل يتمثل في وفاء المسلم لأخيه المسلم حيّا وميتا, وهذا يعني أن التربية الإسلامية تؤكد على أن حق المسلم على أخيه المسلم لا ينقطع بمجرد الوفاة, وإنما يستمر حتى يوارى جسده في التراب, بل ربما امتد بالدعاء له والترحم عليه، ومواساة أسرته في مصابهم.
وقد رتب الإسلام أجرا عظيما لمن شيّع جنازة أخيه المسلم. قال صلى الله عليه وسلم : (من شهد الجنازة حتى يصلى عليها، فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين)
من الفوائد التربوية المستنبطة مما سبق، بيان فضل هذه الخصلة التربوية, والميزة الإسلامية وهو تشييع الجنازة الذي يحمل أسمى المعاني التربوية الإسلامية التي جعلت من التربية الإسلامية التربية الوحيدة الصالحة لكل زمان ومكان, فهي لا تهتم بإنسان دون إنسان, ولا تركز على مكان دون آخر، وإنما هي تربية شاملة لجميع الجوانب التي يحتاج إليها الإنسان في حياته وبعد مماته .