المبحث السادس: حقوق الطفل في التربية النفسية:
ومن حق الطفل على والديه لتحقيق التربية النفسية له اختيار الاسم الحسن للطفل؛ وذلك لما للاسم من تأثير كبير إيجاباً أو سلباً في حياة الطفل, وفي تكوين شخصيته؛ لأن الاسم الذي يختاره أبو المولود وأسرته له يلتصق به ويصبح عَلَما عليه, وقد يصعب تغييره في كبره, فإن كان الاسم حسنًا محببا سرَّ به المسمَّى عند كبره وأحب أن يدعى به, وسرّ به غيره – أيضا – ممن يناديه به أو يسمعه, وإن كان قبيحا ساءه سماعه حين يدعى به, وساء من يدعوه ومن يسمع النداء به, والمسمّى لا ذنب له في ذلك؛ لأنه لم يختره لنفسه؛ لذلك كان المشروع أن يختار له أهله الاسم الحسن الذي يسرّه ويسرّ غيره”.
وإذا أردت أن تعرف تأثير الأسماء في مسمياتها؛ فتأمل حديث سعيد بن المسيّب, عن أبيه, عن جدّه رضي الله عنهم, قال: أنه أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما اسمك؟)) قال: حَزْن, قال: ((أنتَ سهل)), قال: لا أُغَيِّر اسما سمّانيه أبي. قال: ابن المسَيّب: فما زالت الحُزونة فينا بعدُ.
والتربية النفسية تتطلب أيضا إشباع حاجات الطفل النفسية كالحاجة إلى الحب والعطف والحنان والرحمة ممن حوله, وهذا الحب المتبادل بينه وبين والديه وإخوته وأقرانه حاجة لازمة لصحته النفسية، ولذلك تجد في الإسلام الحث على جعل العلاقة بالأطفال قائمة على الرحمة والشفقة, وإشعارهم بالحب والحنان, كما تجد فيها اللوم الشديد على من يتعامل معهم بالقسوة والجمود، عن عائشة – < – قالت: جاء أعرابي إلى النّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: أتقبِّلون صبيانكم؟! فما نقبلهم. فقال النّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أو أملكُ لَكَ أن نزع الله من قلبك الرحمة))؟
ومما يحقّق التربية النفسية الصحيحة أيضا أن تكون العلاقة مع الأطفال قائمة على العدل والمساواة بينهم في العطف والعطية.. لكي ينشؤوا على الألفة والمحبة بينهم, بعيدين عن أسباب العداوة والبغضاء والتحاسد والتنافس الذميم, ولهذا أمر الإسلام بالتعامل مع الأطفال على أساس العدل بينهم، فعن النعمان بن بشير { , أنَّ أباه انطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمله فقال: يا رسول الله إنِّي أُشهِدُكَ أنِّي قد نَحَلتُ النّعمان كذا وكذا, فقال: ((أكلَّ ولدِك نَحَلتَ؟)) قال: لا, قال: ((فأشهِدْ غيري)) ثم قال: ((أليس يسرُّك أن يكونوا في البرِّ سواء؟)), قال بلى. قال: ((فلا إذاً)).
والتربية النفسية تتطلب أيضا الترويح الهادف الذي له أثر كبير في تنشيط النفس، وتجديد قواها، واستعادة طاقاتها، وحفظ صحتها، ولذا فإن التربية الإسلامية تهتمّ بهدف الترويح في مناهجها ومناشطها التربوية، ويتأكد ذلك في مرحلة الطفولة، لأن الطفل في هذه المرحلة يمتلئ حياة ويفيض نشاطا، ولا بد أن يعبّر عن هذا الامتلاء والفيض تعبيرا ييسر النّمو ولا يعوقه عن طريق اللعب. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلموَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ (اختفين) مِنْهُ فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي)). وعنها أيضا قالت: ((وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلميَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ، فَاقْدِرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ حَرِيصَةً عَلَى اللَّهْوِ)).
ولتحقيق الصحة النفسية للطفل أيضا والتي حق من حقوقه الأكيدة حمايته من الاضطرابات النفسية كالخوف والقلق والفزع، قال ابن القيم رحمه الله: “وَيَنْبَغِي أَن يوقى الطِّفْل كل أَمر يفزعه من الْأَصْوَات الشَّدِيدَة الشنيعة، والمناظر الفظيعة والحركات المزعجة فَإِن ذَلِك رُبمَا أدّى إِلَى فَسَاد قوته الْعَاقِلَة لِضعْفِهَا فَلَا ينْتَفع بهَا بعد كبره فَإِذا عرض لَهُ عَارض من ذَلِك فَيَنْبَغِي الْمُبَادرَة إِلَى تلافيه بضده وإيناسه بِمَا ينسيه إِيَّاه.
“وبناءً على ما سبق فإنّ المنظّمات التربوية والحكومات المهتمة بالتربية تمنع أفلام وبرامج الرعب لما لها من تأثير سيئ على الأطفال والحوامل بخاصة، وعلى الأخلاق والقيم بصورة عامة، وبهذا يتضح لنا السبق التربوي للتربية الإسلامية التي ذكرت هذه التوجيهات قبل الدراسات التربوية المعاصرة بمئات السنين”