هذا النوع من التوجيه هو” لبّ حقيقة التربية، بل الأسلوب العلمي والعملي الذي يكفل إحداث التغيير بأسرع من التوجيه المباشر، وهو ما تحدّث عنه كثير من رجال التربية بوجه عام”.
و التوجيه الخلقي غير المباشر” يتغلغل في كوامن النفس، و يكسب الفرد سلوكا خلقيا أو يعدّله بقناعة داخلية، لمعرفته الآثار المترتبة على تطبيقه نتيجة للخبرة و إدراك طبيعة السلوك، وهو ما يترتب عليه الالتزام به، حتى يكون قيمة متأصلة في نفسه وسمة تصبغ شخصيته”.
وينتظم التوجيه غير المباشر مجالات متعددة من خلال المؤثرات البيئية ،أو عن طريق الصحبة والرفقة، أو حوادث وقضايا فارقة، ومصادفات عارضة، أو مواقف عادية قد لا يكون المقصود منها أصلا التوجيه والتأثير، لكن يستفيد منها الشخص،” فكثير مما يكتسبه الناس من ثقافات ومعارف، ومهارات وعادات، بل ربما عقائد وأخلاق، تكون عن طريق البيئة والخلط والإعجاب بالآخرين، دون أن يوجهوا لاكتسابه توجيها مباشر”.
ومن خلال النظر والتأمل ،يمكن تحديد بعض الأساليب والوسائل التي يتم عن طريقها التوجيه الخلقي غير المباشر وهذه الأساليب تنقسم إلى نوعين:
أساليب كلامية:
وذلك باستخدام ألفاظ وتراكيب اللغة في تقوية المعنى المطلوب، واستعمال أساليبها من استعارة وكناية وتورية ومجاز وتعريض لإيصال هذا المعنى بطريق غير مباشر.
أنواع التوجيـه الخلقي :
ومن الأمثلة النبوية التي دلّت على ذلك، استخدام النبي صلى الله عليه وسلم لأسلوب التعريض عند توجيهه لبعض السلوكيات التي تنافي القيم والمبادئ الأخلاقية الإسلامية، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا) ،دون أن يخصّص أحدا بعينه ، ومن ذلك ما جاء في قصة بريرة رضي الله عنها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت أتتها بريرة تسألها في كتابتها ،فقالت إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرته ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ابتاعيها فاعتقيها فإنما الولاء لمن اعتق) ،ثم قام على المنبر فقال صلى الله عليه وسلم 🙁 ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ،من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وان اشترط مائة شرط).
وعن أنس رضي الله عنه أنّ نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فقال بعضهم لا أتزوج النساء ،وقال بعضهم لا آكل اللحم ،وقال بعضهم لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه فقال صلى الله عليه وسلم :(ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
وهذا الأسلوب” يسلكه المربون والمؤدبون حين لا يكون التصريح مخرجا عن سكة الأدب والوقار والمروءة، أو يكون الإعلان بالنصح المباشر يهتك حجاب الهيبة ، ويورث الجرأة والمفسدة، أو يكون التصريح مهيجا على الإسرار والعناد، فيأتي التعريض ليستميل النفوس الفاضلة والأذهان الذكية والبصائر إلى طريق الحق