ومن المواقف الدالة على بر الصحابة بوالديهم كذلك موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع والدته وحرصه على إسلامها حينما قدمت معه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم , فقال أبوبكر: يا رسول الله هذه أمي برّة بولدها وأنت رجل مبارك فادعها إلى الله عز وجل وادع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار, فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعاها إلى الله فأسلمت. وفي هذا الموقف بر وعناية بالوالدة والحرص الشديد على هدايتها ودخولها إلى هذا الدين الحنيف, وهذا مما لا شك فيه من أبرّ البر بها.
ومن حرص الصحابة على بر والديهم كذلك موقف أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما مع أمها حينما قدمت إليها وهي مشركة ومع ذلك أرادت برها والإحسان إليها, إلاّ أنها استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا قبل القيام ببرها, وعن أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنهما – قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم , قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة, أفأصل أمي؟ قال: (نعم صلي أمك).
ومن المواقف الدالة على بر الصحابة لوالديهم كذلك موقف أبي هريرة رضي الله عنه مع أمه التي كانت مشركة, وكان يدعوها إلى الإسلام وكانت تأبى عليه, قال أبو هريرة رضي الله عنه: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره, فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي, قلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره, فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اللهم اهد أم أبي هريرة), فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم . فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف, فسمعت أمي خشف قدمي, فقالت: مكانك يا أبا هريرة, وسمعت خضخضة الماء, قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها, ففتحت الباب,، ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأتيته وأنا أبكي من الفرح, قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة, فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا. قال: قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا, قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اللهم حبب عبيدك هذا – يعني أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين) فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني.
فهذا الموقف من أبي هريرة رضي الله تعالى عنه يؤكّد حرص الصحابي الجليل على برّ أمّه بطلب سُبُل الهداية لها, بما يعطي لغيره القدوة في العناية بإرشاد الأم والسعي لها في الخير، كما أعطانا هذا الحديث استجابة الله تعالى لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم .