غير خاف أن النفس البشرية متعددة الطبائع، متنوعة السلوك، مختلفة السجايا فهي في بعضالأحايين تحب الجد والحزم، وفي فترات أخرى تميل إلى الدعة واللطافة والسكون، فهي بين خطين مختلفين ، ودائرة بين مزاجين متضادين .
وهكذا المسلم في عباداته يكون في بدايتها قوي مفعم بالحماسة والنشاط، بيد أن هذا النشاط التعبدي قد يوافق بعده فترةً عن تلك البداية القوية؛ فيصيبه الكسل والتواني؛ فإذا صادفت هذه الفترة سنة نبوية فقد اهتدى، والعكس بالعكس؛ وهذا ما يوضحه حديث ابن عمر رضي الله عنه كما في مسند الإمام أحمد (2/188- و 210) بسند صحيح-، قال: قال رسول الله)) لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك))
ولذا على المؤمن مراعاة التّرويح المباح وفق ضوابط الشرع بين كلّ العبادات ؛ بحيث يكون الترويح فاعلاً في النّفس نحو الاستمرارية في أداء العبادات، والرجوع إليه بنفسٍ نشطة، وصدرٍ رحب، وعَزْمٍ قوي، وفي الأثر : (( يَا حَنْظَلَة؛ سَاعةً وَسَاعةً ـ ثلاث مرات ـ )) رواه مسلم برقم ( 2750).
وكذا عليه أن يقتصد في العبادة؛ فلا يتعمق فيها بحيث تملّها النفس، ثم تيأس منها، وفي المقابل فلا يفرط فيها بالدّرجة التي تجعل النّفس تتهاون في أمرها، وتهمل القيام بحقها ؛ وفي الحديث :(( ياَ أيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيْقُونَ، فَإِنّ اللهَ لاَ يَمَلّ حَتّى تمَِلّوا)) رواه مسلم برقم (782).
ومن هنا، تأتي أهمية التربية الترويحية، ودراسة ضوابطها الشرعية، حتى تلبّي حاجات النّفس البشريّة مع مراعاة الفائدة والنّفع دون إهدار للوقت، وكذا التربية على الانضباط الواعي في أداء العبادات والتوازن فيه، بحيث لا يطغى جانب على آخر.