جاء في حديث عبدالرحمن بن معاذ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمنى ونزّلهم منازلهم، فقال: لينزل المهاجرون هاهنا وأشار إلى ميمنة القبلة ، والأنصار هاهنا وأشار إلى ميسرة القبلة، ثم لينزل الناس حولهم )) وفي رواية : (( ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدمة المسجد، وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد ثم نزل الناس بعد )) . [ رواه أبوداود في سننه برقم 1957].
ففي هذا الحديث الشريف نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم نزّل الصحابة منازلهم، وقسّمهم على مجموعات مرتبة ومنظمة؛ حتى يبعدهم عن الفوضى والزحام والعشوائية؛ وفي هذا تقرير لمبدأ التنظيم والتنسيق، وعدم العشوائية، بما يتناسب مع واقع الحال.
وفي تقرير هذا المبدأ بالتطبيق العملي ما يبين ويؤكد عناية الإسلام بالتنظيم التي لا تستقيم أمور المجموعات إلا به، بل في فعله صلى الله عليه وسلم ما يربي الأمة على تنظيم أمورهم، والبعد عن العشوائية.
والمتأمل في شريعتنا الغراء يجد أن تعاليمها سواء في العبادات والمعاملات تدعو إلى النظام وتعتني بالترتيب والتنظيم ؛ فالصلاة منظمة بوقتها ، والصوم قد حُدد له وقته، والحج بمناسكه ومشاعره المقدسة لها وقتها ونظامها …إلخ . بيد أنه وللأسف ما نرى في زماننا اليوم من الفوضوية والعشوائية ولا سيما في أيام الحج من قبل الكثيرين من الحجيج؛ حيث تراهم في تضارب وتدافع فيما بينهم وبخاصة عند أداء المناسك في صعيد المشاعر المقدسة – إلا من رحم الله – بما يؤدي في بعض الأحيان إلى الإيذاء وقتل الأنفس البريئة. كل ذلك يدعونا إلى أن نعيد النظر في أحوالنا في الحج ونزنه بأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله في الحج وغيره، كما علينا أن نعمّق مفهوم النظام وأهميته في الإسلام ، ونربي الأجيال على ذلك.