يُعتبر الإيثار -الذي هو أن يقدم الإنسان غيره على نفسه- من أعلى مراتب الكرم, “ولا يقوى عليه إلاّ أهل العزائم من الناس الذين صقلتهم العقيدة, وربّتهم تعاليم الإسلام، وقد ظهرت هذه الخلال الكريمة, والصفات النّجيبة في أقوى صورها وأعمق معانيها في جيل الصحابة الكرام”.
رُوي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنّها كانت صائمة, ولم يكن عندها سوى قرص من شعير, فجاءها سائل, فقالت لبريرة: ادفعي إليه ما عندك. فقالت: ليس إلاّ ما ستفطرين عليه, فقالت لها ادفعيه إليه ولعله أحوج إليه الآن, ولمّا جاء المغرب, أهدى إليهم رجل شاة بقرامها, وهو ما كانت العرب تفعله إذا أرادوا شواء شاة طولها من الخارج بالعجين حفظا لها من رماد الجمر. فقالت لبريرة كلي هذا خير من قرصك.
وروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر أنصار المدينة نخلا, وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء, وكانت مستقبلة المسجد, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب, فلما نزلت (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله إنّ الله يقول(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وأحبّ أموالي إليّ بيرحاء, وإنّها صدقة لله أرجوا برّها وذخرها عند الله, فضعها يا رسول الله حيث أراك الله, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بخ بخ ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت, وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين, قال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله, فقسّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه).
وقد آثر الأنصار المهاجرين بأموالهم حتى أرادوا أن يقسموا بساتينهم معهم لولا أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم طلب منهم أن يقاسموهم الثمر فقط, لأنّ المهاجرين يعملون في التجارة ولا يعرفون الزراعة واستصلاح الأرض.
فالأنصار عُرفوا بهذه الخصلة الجليلة, فهم قدوة لكلّ من يؤثر الآخرين على نفسه.
هذه القصص وغيرها من النصوص تدل على ما تركتها التربية النبوية من أثر محمود في نفوس المؤمنين من الإيثار على النفس وتحمل مسؤولية الحياة الاجتماعية بصدق وتضحية.