الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن معرفة ما كـان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من خلق جم ، وأدب رفيع ، من أهم ما تنبغي العناية به ، إذ وصفه ربه جل وعلا بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم) ، فهو القدوة الأولى للمسلمين ، كما قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ، ولذا كانت وصاية سلفنا الصالح للجميع الالتزام بالآداب التي وردت عن نبينا صلى الله عليه وسلم ، قال إبراهيم الحربي ( ينبغي للرجل إذا سمع شيئًا من أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتمسك به) ، وقد كانت عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بالآداب الفاضلة تظهر في صور مختلفة منها :
1 ـ. بيانه صلى الله عليه وسلم للأمة أن من أعظم المقاصد التي بعث من أجلها هو إتمام مكارم الأخلاق ، حيث قال r ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).
2 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم عد حسن الخلق من أعظم مواهب الله تعالى للإنسان ، حيث قال r لما سئل عن خير ما أعطي الناس ؟ ( خلقٌ حسن ).
3 ـ دعوته صلى الله عليه وسلم الناس إلى تحسين أخلاقهم ، وبيانه للأجر العظيم الذي يترتب على ذلك ، بقوله صلى الله عليه وسلم (اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ).
4 ـ كثرة دعائه صلى الله عليه وسلم ربه أن يهبه محاسن الأخلاق ، وأن يصرف عنه سيئها ، هذا مع ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الأخلاق الفاضلة ، والشيم الرفيعة ، التي لا يدانيه فيها أحد ، ولا يلحقه فيها بشر ، فقد ورد عنـه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو ربه فيقول : ( . . . واهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها ، لا يصرف عني سيئها إلا أنت . . . ) ، كما كان من دعائه صلى الله عليه وسلم : (اللهم إني أسألك صحـة في إيمـان ، وإيمانًا في خلق حسن . . . ) .
5 ـ تطبيقه صلى الله عليه وسلم للأخلاق الفاضلة ، والتزامه بها عمليًا مع سائر أفراد المجتمع من حوله ، مما كان له أكبر الأثر في نفوسهم ، فهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : (كان رسول الله r أحسن الناس خلقًا ) ، ويقول : ( خدمت رسـول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله ما قال لي : أفاً قط ، ولا قال لي لشيء : لم فعلت كذا ؟ وهلا فعلت كذا ؟ ) فإذا كان هذا حاله مع الخادم فكيف بغيره !! ، وهذا جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه يقول : (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ، ولا رآني إلا تبسم ).