إن الشعور بالعجز، أو النقص في بعض جوانب الشخصية، يدفع المرء إلى الاحتذاء بالمتفوقين عليه في ذلك الجانب الذي أخفق في تحقيقه، ويرى في تقليدهم مخرجاً وعلاجاَ قد ينقله ويخرجه مما يعاني منه نفسياً وعملياً.
وهذا يحدث على مستوى الأفراد، وعلى مستوى المجتمعات، حيث أن المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب، وذلك أن بعض النفوس تعتقد الكمال في من غلبها ، إما لنظرتها له بالكمال، أو للمغالطة الفكرية بأن انقيادها ليس بسبب ذلك وإنما هو لكمال الغالب.
فإذا عرف الإنسان هذه الخاصية فعليه أن يحترز من مغبة الولع بمن لهم حظ في الشهرة، فيقتدي بهم دون أن يعرض ذلك على المنهج الإسلامي، فإن رأى أن فيه خيراً أخذ به، وإن رأى أن فيه مفسدة تركه، ولا يكن وراء كل نداء وقول إلا نداء الحق، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس: أحسنا، وإن ظلموا: ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا)
وهنا ينبغي أن تكون المعالجة تربوياً لمن يندفع وراء الحضارة الزائفة، ممن قل تفكيرهم ووهن نقدهم، وضعفت بصيرتهم، من خلال: تبصيرهم بأن الإسلام عزيز، وإيضاح ذلك لهم، وأنه يلزمهم الاعتزاز به؛ وبكل ما جاء فيه، وبيان خطورة الحضارة الغربية أو الشرقية الزائفة، وما فيها من وهن وعجز وانحراف، مع بيان ما فيها من جوانب إيجابية، وأن نأخذ هذه الجوانب الإيجابية طالما أنها تنفعنا ولا تتعارض مع المنهج الإسلامي.
وينبغي أن لا يدفعنا هذا إلى تقليدهم وموالاتهم وحب عاداتهم.
ومن وجه آخر قد يندفع الإنسان إلى تقليد بعض زملائه وأقرانه ممن تفوقوا عليه في بعض مجالات الحياة، وبالتالي يسعى إلى مجاراتهم في امتلاك ما يمتلكون ، أو لبس ما يلبسون، أو التمظهر بمظاهرهم في شؤون حياتهم العامة، دون أن يدرك المفارقات البينية، من قدرات وإمكانات وصحة وسلامة ما هم عليه من مسلك حياة أو عمل ومهنة.
ومن وجه آخر قد يكون التقليد في مجال التخصصات، فيندفع بعض الطلاب أو يدفع بعض الآباء بأبنائهم وراء المتميزين فيما لا يحسنون ولا يستطيعون، فيضيع جزء من العمر والوقت فيما لا يستطيعون، ويتركون ما يمكن أن يحسنوه، فيتميزون به.
فالتميز والنجاح يكون فيما يستطيعه الإنسان، مع النظر إلى الميول والرغبة والقدرات والإمكانات والفرص المتاحة.
ومعالجة الشعور بالعجز يكون بما يلي:
ـ التعرف على القوة الذاتية التي تملكها، وتعطلت بسبب عدم معرفتها، أو بسبب الإهمال.
ـ معرفة أسباب تجاهل تلك القوة الذاتية وإهمالها، هل هو بسبب تقليد الغير فيما عندهم، وجهل ما عندنا. أو لأسباب أخرى.
ـ توظيف هذه القوى الذاتية التوظيف الصحيح ، واستثمارها الاستثمار الصحيح.
ـ الإدراك الواضح بأن الناس يتفاوتون في قدراتهم واستعداداتهم، وأن متابعتهم فيما نفقده تضييع لما عندنا من استعدادات وقوى. قد نتميز ونتفوق بها.
ـ في حالة توافق القوى الذاتية مع الغير، يلزم معرفة مدى استخدامهم لتلك القوى في المسلك الصحيح أو في المسلك الخاطئ للإفادة من المسلك الصحيح وتجنب المسلك الخاطئ.
ـ العلم بأن الله تعالى أعطى كل أحد قدرات واستعدادات قد تختلف كثيراً أو قليلاً من شخص لآخر، والفطن من الناس من يتعرف على تلك النعمة ويستثمرها الاستثمار الصحيح.
ـ الدعاء، كما جاء في الحديث (اللهم الهمني رشدي، وقني شر نفسي)