الشاكرون يستكثرون القليل. والجاحدون يستقلون الكثير. فيزداد الشاكر قبولاً وبركة وسعادة، لما يرى من كثرة القليل وعظيم ما فيه من الخير. ويزداد الجاحد على كثرة ما عنده غبناً وحسرة وتألماً. لما يرى من قلة ما في يده على عظيم ما حوته حصيلته من العطاء.
فكيف بنعم الله التي يتقلب فيها المخلوق من غير حول منه ولا قوة إلا بالله العظيم المتفضل بكريم جوده.
وبالتالي فإن السعادة عند المستشعرين بعظيم العطاء تفوق الجاحدين التي امتلأت حصيلتهم بتنوع العطاء.
وهذا ينعكس على التعامل الاجتماعي، فيرى الشاكرون في تفضل غيرهم عليهم بقليل العطاء جوداً وكرماً عظيماً. فتزداد محبتهم وتقديرهم لمن مَدّ لهم قليل العطاء. فيستشعرون أنهم مدينين لأولئك المتفضلين. فتزداد اللحمة بينهم، والتفاعل الاجتماعي المملوء بالتقدير المتبادل.
والجاحدون لا يرون فيما يُقدم لهم إلا أنه فضل زائد لا يملأ عيناً. فيضعف التفاعل الاجتماعي، وتزداد الشقة الاجتماعية.
والشاكر يستعظم عطاء الله، ويشاهده في كل ناحية من دنياه، وفي كل لحظة من حياته، فلا يلهج قلبه إلا بشكر الله تعالى. يشاهده في بصره وسمعه وصحته وإيمانه وهدايته، وحياته وفي إنجابه وفي أمنه وقوته. فتأمل موسى عليه السلام وهو يقول لربه ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) فذكر أنه في خير. ولكنه فقير لعطاء ربه الذي لا يستغني عنه مخلوق. جاء في التفسير الميسر: رب إني مفتقر إلى ما تسوقه إليّ من أي خير كان، كالطعام . وكان قد اشتد به الجوع. (انتهى)
فنظر عليه السلام مع شدة جوعه إلى نعم الله التي يعيش بها وهو في تلك الحال من شدة الجوع. فهنا الشكر لله تعالى.
فنظرة الشاكر لا تقف عند الحاجة، بل تقف عند غيرها من موفور النعم التي يقف عندها الشاكر مستكثراً لها. حتى لا تصبح الحاجة لديه هي بؤرة الفكر التي قد تصد عن مساحات النعم وبحورها العظيمة التي يسبح فيها العبد.
قال تعالى (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولإن كفرتم إن عذابي لشديد)
اللهم ارزقني وإخوتي المسلمين استشعار عظيم فضلك ونعمك التي لا تُعد، ووفقنا لشكرها قولا وعملا واعتقاداً جازماً.