إن من أهم ما يميز المجتمع المسلم في كل جانب من جوانب حياته أنه مجتمع الآداب الإنسانية الرفيعة ، يزين كل شيء فيه فضائل سامية ، وآداب عالية ، تجعل الحياة فيه مليئة بالخير والنماء ، والبذل والعطاء ، يشعر كل فرد فيه بأخوة إيمانية ، يبني عليها علاقاته مع سائر أفراد مجتمعه ، فيتعامل معهم بالصدق والأمانة ، والرحمة والشفقة ، والإحسان والإيثار ، وغير ذلك من الآداب الإسلامية التي ينشأ عنها مجتمع متكافل ، تسوده الرحمة والتآلف والتعاون ، إذ الآداب الإسلامية ، والأخلاق الفاضلة ، تعد دعامة أساسية ، وركيزة أولى لبناء الأفراد والمجتمعات ، ” وما سر نجاح المسلمين الأوائل في نشر الدعوة الإسلامية ، وبناء مجتمع مترابط قوي الصلات ، مؤمن بربه ، واثق بنفسه ، إلا لتمسكهم بالأخلاق الإسلامية الفاضلة ، وما ضياع الأمة الإسلامية اليوم إلا بسبب تخليها عن أخلاقها الإسلامية الفاضلة . . . لـذا كـان لزامًا علينا تصحيح مفاهيمنا عن الأخلاق الإسلامية ، ومن ثم المبادرة إلى تطبيقها في واقع حياتنا اليومية ، وهذا لن يتأتى إن لم يكن المدرسون ملتزمين بها ، وحريصين على تطبيقها في حياتهم اليومية ، حتى يكونوا قدوة لطلابهم ” .
فالمعلم هو أولى الناس بالتـزام الآداب الإسلامية ، والتخلق بها كما أشار إلى ذلك ابن جماعة – رحمه الله – حيث قال : ” إن من أهم ما يبادر به اللبيب شرخ شبابه ، ويدئب نفسه في تحصيله واكتسابه ، حسن الأدب الذي شهد الشرع والعقل بفضله ، واتفقت الآراء والألسنة على شكر أهله ، وإن أحق الناس بهذه الخصلة الجميلة ، وأولاهم بحيازة هذه المرتبة الجليلة ، أهل العلم الذين حلوا به ذروة المجد والسناء ، وأحرزوا به قصبات السبق إلى وراثة الأنبياء ” .
ولذا فإن من أهم خصائص المعلم الناجح التـزامه بالآداب الكريمة ، التي يتطلبها الموقف التعليمي ؛ إذ التـزامه بها يؤدي إلى إنتاج تعليم هادف ، وتربية ناجحة ، وإخراج جيل صالح ، ونشء متميز ، وهذا يتطلب من المعلم معرفة ما كـان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من خلق جم ، وأدب رفيع ، حتى وصفه ربه جل وعلا بقوله : (وإنك لعلى خلق عظيم) ، فهو القدوة الأولى للمعلمين، ولذا كانت وصاية سلفنا الصالح للجميع الالتزام بالآداب التي وردت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، قال إبراهيم الحربي : ” ينبغي للرجل إذا سمع شيئًا من أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتمسك به ” ، وقد كانت عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بالآداب الفاضلة تظهر في صور مختلفة منها :
1. بيانه صلى الله عليه وسلم للأمة أن من أعظم المقاصد التي بعث من أجلها هو إتمام مكارم الأخلاق ، حيث قال : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” .
2. أن النبي صلى الله عليه وسلم عد حسن الخلق من أعظم ما يهبه الله تعالى للإنسان ، حيث قال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن خير ما أعطي الناس ؟ ” خلقٌ حسن ” .
3. دعوته صلى الله عليه وسلم الناس إلى تحسين أخلاقهم ، وبيانه للأجر العظيم الذي يترتب على ذلك ،
بقوله صلى الله عليه وسلم: ” اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ” ، وقوله صلى الله عليه وسلم:”أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه”، وقوله صلى الله عليه وسلم: ” إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ” .
4. دعاؤه صلى الله عليه وسلم ربه أن يهبه محاسن الأخلاق ، وأن يصرف عنه سيئها ، هذا مع ما كان عليه صلى الله عليه وسلممن الأخلاق الفاضلة ، والشيم الرفيعة ، التي لا يدانيه فيها أحد ، فقد ورد عنـه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو ربه فيقول : ” . . . واهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت . . . ” .
كما كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ” اللهم إني أسألك صحـة في إيمـان ، وإيمانًا في خلق حسن . . . “.
5. تطبيقه صلى الله عليه وسلم للأخلاق الفاضلة ، والتزامه بها عمليًا مع سائر أفراد المجتمع من حوله ، مما كان له أكبر الأثر في نفوسهم ، فهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا ” ، ويقول : ” خدمت رسـول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله ما قال لي : أفاً قط ، ولا قال لي لشيء : لم فعلت كذا ؟ وهلا فعلت كذا ؟” فإذا كان هذا حاله مع الخادم فكيف بغيره !!
وسنبرز أهمية الآداب للمعلم في الجزء الثاني إن شاء الله.